•••
جعلت تنظر بعينيها إلى السماء ، المنكشفة لها من خلال النافذة التي على يسارها ،
انعكست أشعة قرص الشمس المتوسط كبد السماء على عينيها البنييتين ، لترسمـ
عيناها جُلَّ إحساسها بالحزن والألمـ ..
" هل تغيّر والدي ؟ أمـ أنه كما تركته ؟ " تردد هذا السؤال في ذهنها ، وضعت يدها على خدها
لتستند عليها .. وبنبرةٍ حزينةٍ رددت مخاطبة نفسها : " حقًا .. آمــل ذلك " .
أدخلت يدها اليمنى في جيب بنطالها الأيمن ، وأخرجت منه جهازًا صغير الحجمـ ، بدا كأنه محولٌ للأغاني ،
أسود اللون ، وُصِلَت به سمّاعاتٌ للأذن ..
أزاحت شعرها الأشعث عن أذنيها قليلاً ، ووضعت السمّاعتين بهما ..
إختارت من الجهاز أُغنيتها ، لينبعث من الجهاز ألحانٌ صاخبة ، لا تتلّقاها إلاّ أذناها ,,,
" لولا تلك العيشة التي أعيشها ، لما اخترتُ هذا النمط زيًا لي .. " وبنبرة الحزن ذاتها
رددت [ صــــوفي ] هذه العبارة في ذهنها ..
•••
جلس الشباب جميعهمـ سويًا ، يتجاذبون أطــراف الحديث ، يحاولون إعمار الوقت الماضي
من تلك الحصة ، التي تلت الإستـــراحة ..
وسط تلك الجمعة ، انسحب [ وســـامـ ] ليعود إلى مكانه حيث يجلس ، انتبه إليه [ أنــس ]
ليتبعه لاحقًا إيّاه ..
جلس [ أنــس ] بجوار رفيقه ، ونظر إلى وجهه ، ليرى أن [ وســامًا ] ليس على ما يرامـ ,,
[ أنـــس ] : " ما بكَ يا صاحبي ؟ يُخيّلُ لي أنكَ لستَ على ما يُرامـ ! "
[ وســامـ ] بتردد : " يشغلُ فِكري أمرٌ ما .. "
[ أنــس ] : " وما هو ؟ تحدّث .. "
غيّر [ وســامـ ] جلسته ، ليُقابل وجهه وجه صديقه ..
[ وســامـ ] : " [ أنــس ] ، أيُّهما أقرب إليك .. والدكَ أمـ والدتك ؟ "
[ أنــس ] مستغربًا : " أولستُ شابًا ؟ أكيدٌ والدي هو الأقرب إليّ "
أنزل [ وســـامـ ] نظره للأسفل لوهلة ، أعاده مجددًا إلى وجه صديقه ..
أردف [ وســـامـ ] : " طيّب .. ماذا لو لمـ تجد والدكَ حاضرًا معكمـ بالمنزل طول اليومـ ؟
أقصد ,, ماذا لو انشغل عنكَ أنتَ وأخواتك بعمله ؟ "
[ أنــس ] الذي ظلَّ على إستغرابه : " لديّ والدتي .. فحينما لا يتواجد والدي ، أمي تبقى معنا .. "
" صحيح ! فأمه لا تعمل ، كسائر الأمهات اللواتي يبقين في بيوتهن " بهذه الكلمات حدّث [ وســامـ ] نفسه ،
أتــى صوت [ أنــس ] ليقطع حبل أفكاره : " لنتبادل الأدوار ، دعني أسألك الآن .. ماسبب هذه الأسئلة كلها ؟ "
[ وســـامـ ] محركًا رأسه يُمنةً ويسرا : " لا .. لا شيء "
[ أنــس ] الذي ما زال مستمرًا في إستغرابه : " فتحتَ للتو محضرًا للتحقيق ! ولا شيء ؟
إلعب غيرها يا أخي .. هيّا .. قُل ما عندك "
أنزل [ وســامـ ] رأسه للأسفل ، لمـ ينطق بكلمة واحدة ، فقد شرحت تعابير وجهه ما بخاطره ..
نظر باتجاهه [ أنــس ] شعر أنه قد أحرج صديقه ..
[ أنــس ] : " سامحني ، والله ما قصدتُ إحراجك .. طالما أن الأمر يعنيك ، فلن أتدخل "
التفت إليه [ وســامـ ] مبتسمًا : " لا .. لا تقل هذا ، لمـ تحرجني .. إنمـــا ,,, "
محا تلك الإبتسامة ، وأردف قائلاً : " هي مسألةٌ أحاول حلّها ,, "
عاد وابتسمـ في وجه صديقه : " عندما يحين الوقت المناسب ، سأحكي لكَ عنها "
ابتسمـ [ أنــس ] : " كما تشاء .. "
•••
رنَّ جرس المدرسة ، ليُعلن عن إنتهاء الحصة الثالثة ، وابتداء الحصة الرابعة ..
ألقت [ رانيــــا ] بأبصارها إلى ساعة معصمها ، لتحقق من الوقت ..
بدا عليها الإنزعاج ، نظرت صوب [ عبير ] الجالسة بجوارها ، لتراها عائدة إلى شرودها ..
[ رانيــــا ] بتذمر : " مجددًا حصةٌ أخــرى تمرُّ بلا درس .. أهي قاعدة أم ماذا ؟ "
لمـ تجب [عبير ] فقد استحوذ الشرود على القسمـ الأكبر من عقلها ..
[ رانيــــا ] صارخة : " [ عبير ] !!! "
فاجأ صوت [ رانيــــا ] [ عبير ] : " [ رانيــــا ] ؟ آه .. عذرًا لمـ أنتبه !! "
[ رانيــــا ] مستغربة : " أكنتُ أُحدّثُ حائطً منذ البداية ؟ أين ذهب عقلكِ يا فتاة ؟ "
[ عبير ] بضحكةٍ خفيفة : " ذهب إلى المنزل .. "
[ رانيــــا ] مستغربة : " إلى المنزل ؟! "
[ عبير ] واضعةً يدها على معدتها : " أولا تسمعين هذه الألحان البديعة ، تطلب الطعامـ ؟ "
ضحكت [ رانيــــا ] ، لتضحك معها [ عبير ] ..
" ليتكِ تعلميـــــن .. . " رددت [ عبير ] هذه الكلمات في ذهنها ، وهي تنظر إلى ابتسامة [ رانيــــا ]
بحزنٍ ممزوجٍ بالحسرة ..
•••
مرّت تلك الحصة مرور الكــرامـ ، لينتهي دوامـ الصباح في تلك المدرسة ، خرج التـــلاميذ ،
كلٌ يتجه صوب منزله ، أدخلت [ رانيــــا ] كتبها في محفظتها ، همّت بالرحيل ،
إلاّ أنهـــا انتبهت إلى أن [ عبير ] ما تزال جالسةً في مكانها ..
[ رانيــــا ] : " [ عبير ] ؟ ألن تذهبي إلى المنزل ؟ "
[ عبير ] : " مممممممـ .. لا أحد بالمنزل الآن .. لذا فإنني سأبقى قليلاً "
[ رانيــــا ] : " وصراخ معدتكِ المزعومـ ؟ "
[ عبير ] : " أأطبخُ وحدي ؟ سأبقــى عشر دقائق فقط .. "
[ رانيــــا ] : " طيب .. كما تشائين .. أراكِ في الدوامـ الثاني .. "
[ عبير ] : " طيب .. إلى اللقاء .. "
انصرفت [ رانيــــا ] نحو منزلها ، لتبقى [ عبير ] وحدها بالقسمـ ,,
" إعذريني يا عزيزتي ، فما كنتُ أتصور يومًا ان أكذب عليكِ ، أهلي بالبيت ، أنا من لا تود المجيء .."
.. رددت [ عبير ] هذه الكلمات ، وهي تراقب [ رانيــــا ] بأبصارها تخرج من المدرسة ..
•••
من مجهةٍ أخــــــرى ، وفي نفس الوقت ، جلس [ هشـــامـ ] على الأريكة ، بجوار والدته التي
تشاهد التلفاز ، نظر إلى وجهها ، ليستقرّ نظره على تلك الكدمة المزرقة في خدها ..
انتبهت إليه والدته ..
والدته : " [ هشـــامـ ] ؟ ما الأمر ؟ "
[ هشــامـ ] : " ما النهاية ؟ "
والدته باستغراب : " عن أي نهاية تتحدث ؟ "
[ هشــامـ ] : " أمـــــي ... تدركين ما أرمي إليه .. ما نهاية خلافكِ مع أبي ؟ "
صمتت والدة [ هشـــامـ ] أزاحت وجهها عنه ، لتنهض من جواره ..
[ هشــامـ ] : " غيرتكِ يا أمي هي ما ستقضي علينا .. "
استدارت إليه والدته بسرعة .. بدا عليها الغضب الشديد ..
والدته : " غيرتي ؟ غيرتي أمـ تدريس والدكَ لفتاة تكبر أختك بسنين ,, قل لي ,,
أيهما يزيد الأمور تعقيدًا ؟ ؟ "
صمت [ هشـــامـ ] إلاّ أن نظره لمـ يتنحّ عن والدته ..
والدته : " ما لكَ لا تجيب ؟ "
[ هشــامـ ] : " هكذا نحن دائمًا .. نصمت ، ونراقب .. وبالطبع ، ندفع الضريبة "
والدته : " ضريبة ؟ "
[ هشــامـ ] : " أجـــل ، نتعذب ، وأنتما تتشاجران ، ومع هذا نصمت .. "
والدته : " مهــــــلاً .. أنتَ ومن ؟ "
نهض [ هشـــامـ ] ووقف أمامـ والدته .. ليقـــــول .. :
" أنا و [ عبير ] .. نتعذب بصمـــــــت "
•••