عرض مشاركة واحدة
قديم منذ /22-09-2010, 10:48 PM   #86

ѕυмυı ♥ ѕнoυĵo
محررة مجلة بنات|ملكة التنسيق
سوموي ♥ شوجو

L21
 
    حالة الإتصال : ѕυмυı ♥ ѕнoυĵo غير متصلة
    رقم العضوية : 58554
    تاريخ التسجيل : Apr 2009
    العمر : 29
    المشاركات : 536
    بمعدل : 0.10 (مشاركة/اليوم)
    النقاط : ѕυмυı ♥ ѕнoυĵo will become famous soon enoughѕυмυı ♥ ѕнoυĵo will become famous soon enough
    التقييم : 117
    تقييم المستوى : 18
    الأسهم : 0 (أسهم/سهم)
    الجواهر : (جواهر/جوهرة)
    عدد الدعوات : 0
    زيارات ملفي : 2343

     SMS : ~ ما مضى فات ، وما ذهب مات ، فلا تفكري فيما مضى ، فقد ذهب وانقضى|ْ|ْ♥

مزاجي :
    استعرضي : عرض البوم صور ѕυмυı ♥ ѕнoυĵo عرض مواضيع ѕυмυı ♥ ѕнoυĵo عرض ردود ѕυмυı ♥ ѕнoυĵo
    أوسمتي :         هنا
    تجديني هنا :
     MMS :

MMS

افتراضي التكملة ..~

في تلك الأثناء ، تذكرت صوفي أنها قد نسيت مقلمتها في المختبر ،
فعادت أدراجها ، توقفت أمامـ إحدى نوافذ المختبر بعد رؤيتها لمروان وسعيدٍ
ومنيرٍ في تلك الحال ، أخذت تتساءل قائلة :
" لماذا يحمل مروان تلك الولاّعة مبتعدًا عن صديقيه ؟ ولماذا يبدو الجميع
خائفين هكذا ؟ " بدا أنها فهمت الأمر ، اتسعت عيناها وراحت ترددفي نفسها :
" غير معقول !! " سقطت الكتب من بين يديها ، ركضت باتجاه الباب إلى أن
وصلت إليه، صرخت بأعلى صوتها وهي تقول : " دعها من يدك ! "
فزع الجميع من صرخة صوفي ، سطقت الولاّعة من يد مروان مرتطمة بإحدى
زوايا الطاولة ممّا أدى إلى تحريك الزناد بها ، فاشتعلت النار الحارقة للغاز !
انبطح الثلاثة أسفل الطاولة ، أخذت النيران تنتشر أكثر وأكثر ، إلى أن مسّت أسلاكًا كهربائية موصولة بالمأخذ ، فازدادت النيران اشتعالاً ، وأصبح
الفتيان في خطرٍ مُحدقٍ ..
أخذت صوفي دلوًا كان بجانبها ، وراحت تملؤه بمياه صنبور المختبر ،
أسرعت به وصبّت الماء على الفتيان الثلاثة ، التفت الجميع إليها ، فقالت :
" عِوَضًا عن التحديق بي انفذوا بجلودكمـ واطلبوا المساعدة هيّا "
أسرع الجميع منبطحين حتى وصلوا إلى باب المختبر ،راح سعيدٌ ينادي على ناظر المدرسة ،
في حين أن مروان ومنير ذهبا يبحثان عن الأستاذ معاذ .

عودةً إلى المختبر حيث بقيت صوفي .. أرادت الوصول إلى الصنبور علّها تصبُّ
على نفسها القليل من الماء إلاّ أن الأعمدة المشتعلة بالنيران سقطت أمامها حائلةً دونها
ودون الصنبور ..
التهمت النيران ما في المختبر تقريبًا ، راحت تنتشر بسرعةٍ شديدة فامتدّت من المختبر إلى
القاعة المجاورة والتي لمـ يكن بها أحدٌ ..

عثر سعيد على ناظر المدرسة ، أخبره بما جرى ، فأطلق الناظر جرس الإنذار لتحذير كل الطلبة
والمعلمين . أمّا الإثنان الباقيان فقد عثرا على
الأستاذ معاذ في قاعته مع زملائهمـ حيث تدرس رانيا ، فتحا الباب بقوةٍ
وصرخا صرخة واحدة قبل أن يتحدث أحدٌ قائليْن : " المختبر يحترق !! "
ساهمـ جرس إنذار المدرسة في استيعاب الجميع لما قاله مروان ومنير .
دبَّ الفزع في نفوس التلاميذ ، أسرعوا بالخروج من القاعة فزعين خائفين
على أنفسهمـ .التفت وسامـ فجأةً إلى الخلف حيث تجلس صوفي فلمـ
يجدها في مكانها ! خطر بباله أن تكون في المختبر فاتجه إليها .

أخذ التلاميذ يتجهون إلى مخرج الطوارئ خوفًا من أن تكون البوابة الرئيسية
غير متاحةٍ لهمـ ، كانت رانيا ممن اتجهوا إلى المخرج، أخذت تنزل الدرج ،
بقيت أمامها درجتان لتنزلهما ، إلاّ أنها فوجئت بدفعةٍ أتتها من الخلف
أسقطتها أرضًا عند زواية بالجدار ، التفتت خلفها فإذ بها وصال تقف أمامها
وعيناها مملوءتان بالغضب العامر ، اندهشت رانيا من تلك النظرة ،أخذت تنظر
حولها فلمـ تجد أحدًا في الدرج سواهما ، سألتها قائلةً :
" ما هذا الذي تفعلينه ؟ "
أجابتها وصال : " حتى وإن كانت النيران تأكل ما في المدرسة ، لن يمنعني
ذلك من محاسبتك "
قالت رانيا : " عمّا تتحدثين ؟! "
قالت وصال : " كمـ تُجيدين رسمـ البراءة على عينيك !
من يرك يَكَدْ لا يصدق أن بمقدوركِِ فعلها "

زاد استغراب رانيا ممّا قالته وصال ، فقالت :
" قولي ما عندكِ واتركيني أذهب
هيّا "

قالت وصال : " كذّبتُ أمل وصدّقتُ أنكِ لن تفعليها ،
أمّا أن أُكذّب ستِّ فتياتٍ من صديقاتي وأُصدّق
إحساسي بطيبتكِ فهذا لا يُعقل .. "

صمتت رانيا لا تعي شيئًا ممّا تقوله وصال ، أردفت الأخيرة قائلةً :
" هل اعتقدتِ أنَّ تلفيقَ الإشاعات عني فعلةٌ سأبقى غافلةً عنها للأبد ؟
أمـ أنكِ ظننتِ أنني لن أستطيع إيقافكِ عند حدّك ؟ لا يا جميلتي ..
وصال كالجبل في وجه من يتجرّؤ على إيذائها "
ضحكت رانيا بعد الذي سمعته ، ارتسمت على وجهها ملامح
الغضب ، قالت : " تلفيق الإشاعات ؟ أعطني مثالاً ممّا قيل لكِ أنني
قلته "
قالت وصال : " لا عِلمـَ لي بما قلته ، ما يهمني معرفته هو السبب الذي
دفعكِ لفعلٍ كهذا الفِعل ... أنا لمـ أُخطئ معكِ حتى ألقى منكِ ما لقيته "
قالت رانيا في نفسها : " يا إلهي .. أية مصيبةٍ هذه التي وقعتُ فيها ؟! "








أخذ وسامـ يركض في الممرات بين الأدخنة واللهب اللذان سيطرا على
الجوّ في المدرسة ، راحت ذكرى اللحظة التي استفاق فيها من إغمائه
حينما وجد أنّ صوفي هي من ساعدته ، ومساعدتها له عندما وجد نفسه
في شجاره مع عبد الصمد ، ووعدها بحفظ سره ، تتكرر في ذهنه كثيرًا ،
أدرك حينها أن هذه الفرصة هي فرصته لردِّ شيءٍ من جميلها .

وصل وسامـ للمختبر أخيرًا، ألقى نظرة على المكان قبل دخوله إليه ، لمـ يرَ
إلاّ ألسنة اللهب وهي تلتهمـ كل ما في المختبر ، ورد بباله أن أية مادةٍ
كيميائيةٍ هناك يُمكن أن تُسبب إنفجارًا تقترن قوّته بنوع المادة ، حسمـَ
أمره ودخل مغطِّيًا وجهه بذراعه اليُمنى ..

أخذ يبحث عن صوفي ، ليجدها مُمَدّدةً على الأرض مغشيًّا عليها ،
عدّل من وضعية استلقائها لتستلقي على ظهرها ، انصعق لذا رؤيته
لوجهها .... بدا كأن النار قد لامست جانب وجهها الأيسر ..
وضع اصبعي السبابة والوُسطى على رقبتها ، أحسَّ بنبضها فارتسمت
ابتسامةٌ على وجهه بعد يقينه بعيشها .
نزع سترته التي كان يرتديها ، وضعها عليها ، حملها بذراعيه وانطلق
نحو مخرج الطوارئ .








ملأت سيارات الإطفاء والإسعاف ساحة المدرسة في ذاك اليومـ ،أخذ
رجال الإطفاء يُخرجون المحتجزين من الطلبةِ والمعلمين من المدرسة ،
أمر المدير جميع التلاميذ أن يتفقّد كل واحدٍ منهمـ زميله ، خشيةَ
أن يبقى بالمدرسة مُحتجزون آخرون لمـ يُعثر عليهمـ بعد ، راح الجميع يُنفّذ
ما أمر به المدير ، أخذت عبير تبحث بين الحشد عن رانيا ، تلتفت هنا
وهناك ، كانت تردد في نفسها : " لا أعلمـ لماذا أشعر أنكِ لستِ هنا ! "
أخذت تسرّع من خطواتها ، تبحث بعينيها إلى أن عادت إلى المكان الذي
بدأت البحث منه . دبَّ الرعب في نفسها ، غمرت الدموع عينيها ،
نظرت إلى المدرسة التي تحترق وقالت بصوتٍ أشبه بالهمس :
" لا مجال للشك .. ما تزال رانيا في المدرسة "


أسرعت إلى الأُستاذ معاذ ، وهي تقول : " أُستاذ ... رانيا ..
أنا واثقةٌ أنها لمـ تخرج بعد "
في الوقت نفسه قال أنس : " ووسامـ أيضًا ليس هنا "
صرخت أمل : " كذلك وصال لمـ أجدها يا أستاذ ! "

سمع علي ما قاله الثلاثة ، اتجه إلى عبير ، قائلاً لها : " ألمـ تخرج معكِ رانيا يا عبير ؟ "
ردّت عليه : " خرجت من الصف معي .. لكنني واثقةٌ أنها ما تزال في الداخل "
وضع علي يده على رأسه والخوف بادٍ على وجهه ، أخذ يتمتمـ قائلاً :
" يا إلهي .. ما العمل ؟ ماذا سأقول لخالتي إن أصابها مكروهٌ ؟ "
أخذ ينظر تارةً إلى باب المدرسة ، وتارةٌ أُخرى إلى المبنى المشتعل ،
لاحظت عبير نظراته تلك ، سألته قائلةً : " فيما تفكر ؟ "
لمـ يجبها ، اندفع باتجاه الباب ، إلاّ أن أحدًا أمسكه من ذراعه مانعًا إيّاه ،
التفت إلى الخلف فإذ به أنس يقف مُقطّبًا حاجبيه ، قال له :
" أما تزال تحمل في جمجمتكَ تلك دماغًا ؟ من العاقل الذي يمكن
أن يُفكر فيما تفكر فيه ؟ "
أجابه في غضبٍ : " دعني يا هذا .. ابنة خالتي محتجزة وسط اللهيب "
صرخ أنس : " اهدأ وهوّن من روعك .. أتظن أنّ إلقاءك لنفسكَ إلى التهلكة
سينقذ رانيا ؟ لا يا رجل .. دع الخبز للخباز .. رجال الإطفاء لن يتركوها هي
ومن بقي بالداخل "

أفلت علي ذراعه من قبضة أنس ، قال : " من حقكَ أن تبقى هادئًا .. ضع
نفسكَ مكاني .. هل ستبقى بلا حِراكٍ وأحدٌ من أقاربكَ بالداخل ؟ "
ردّ عليه : " صديقي الوحيد لمـ يخرج بعد .. لا حيًّا ولا ميِّتًا ، وليست بيدي
حيلةٌ لأفعلها سوى الإنتظار .. والدعاء "

صرخت أمل وهي تقول : " هناك من خرج من المبنى "
التفت الجميع نحو المخرج فإذ به وسامـ يحمل صوفي بين ذراعيه ،
حمل أحد رجال الإطفاء صوفي عن وسامـ الذي بدى عليه التعب الشديد ،
التفَّ لفيفٌ من زملائه حوله ،فقال :
" ما تزال على قيد الحياة ، أصابها تشوّهٌ في يسار وجهها ، إلاّ أنها بخير "

وقفت عبير أمامـ وسامـ وقالت له : " ورانيا يا وسامـ ؟ ألمـ ترها ؟ "
أسرع علي إلى وسامـ وأمسكه من قميصه قائلاً : " قُل لي يا هذا أين هي
ابنة خالتي .. تكلّمـ "
أجابه بغضبٍ ممزوجٍ بالتعب : " أتعتقد أنني سأتركها إن كنتُ قد رأيتها ؟ "
أمسك وسامـ بيدي علي ، وأزاحها بقوةٍ عن قميصه ..
أخذت أمل تبكي بحرقةٍ شديدةٍ ، انتبهت عليها عبير ، نزلت على ركبتيها
حتى تصل إلى مستواها ، قالت لها تهوّن عليها : " أمل .. كوني اسمًا
على مسمىً وأبقِ أملاً في قلبك .. ثقي أن وصال ورانيا سيخرجان عمّا
قريب "
حرّكت أمل رأسها يُمنةً ويُسرةً تنفي ما قالته عبير ، ثمـّ قالت :
" كلاّ .. أنا أعرف السبب المانع لخروج الفتاتين .. "
تفاجأت عبير ممّا قالته أمل ، أكملت الأخيرة قائلةً :

" لقد أشعلتُ النار بين وصال ورانيا ، أوقعتُ بين الفتياتين ، وممّا لا شكّ فيه
أن وصال تشاجر رانيا الآن .. وبقاء الإثنتين معًا خير دليلٍ على كلامي "

اتسعت عينا عبير بعد الذي سمعته ، نظرت إلى المبنى وقالت :
" يا إلهى ... ما العمل الآن ؟ "








عودةً إلى المحتجزتين ، قالت رانيا : " وصال .. دعينا نخرج أولاً ، بعدها
لكل حادثٍ حديثٌ "
نزعت وصال شرشفًا طويلاً كانت ترتديه على رقبتها ،ألقته بينها وبين رانيا،
ثمـ قالت : " أنا مشرّدةٌ من بيتٍ لآخر ، ضحية صراع والداي ، لذا لا يهمني
موتي البتة .. "
أردفت بعد صمت رانيا مشيرةً إليها بيدها : " اسمعي يا رانيا ، سواءٌ أخرجنا أمـ لا .. سأجعلكِ تدفعين ثمن ما فعلته "
أخذت وصال تتقدّمـ في حين أنّ رانيا تتراجع للخلف ، نظرت رانيا وراءها
لتجد أنها تقف على بُعد سنتيمترٍ واحدٍ من الدرج ، زاد تقدّمـُ وصال ،
فتعثّرت قدمها بالشرشف الذي ألقته ، ارتامت إلى الأمامـ باتجاه رانيا التي
أمسكتها من ذراعيها ، إلاّ أن قوة ارتماء وصال أرجعتها للخلف فسقطت
الفتاتان من الدرج معًا ..







أفاقت وصال من الصدمة بجراحٍ على وجهها ، نظرت إلى يمينها لتجد
أن رانيا مستلقيةٌ بجانبها مغميٌ عليها !
أخذت وصال تحاول إيقاظها تُنادي عليها ، إلاّ أنها عبثًا كانت تحاول ،
فقد نزف رأس رانيا كثيرًا بعد الصدمة . ازدادت حرارة المكان ، وازداد انتشار
اللهب وكثافة الدخان ، حاولت وصال الوقوف ، آلمها كاحلها الأيمن بعد
وقوعها ، راحت تحاول سحب رانيا معها باتجاه الدرج وهي تقول لنفسها :
" أنا من تسببتُ بهذا .. وأنا من ستخرجكِ من هنا "









في نفس الوقت ، كان علي يُشاجر أنس ووسامـ اللذان منعاه من الدخول ،
إلى المدرسة ،علا صوت صُراخهمـ ،شدَّ وسامـ على قبضته وضرب بها وجه
علي بقوةٍ ، ذُهِلَ المُتلقّي لما فعله ، قال له وسامـ وهو يلهث تعبًا :
" ألا تعلمـ أنكَ بدخولك ستزيد الطين بلّةً ؟ عِوضًا من أن يحاول رجال
الإطفاء إخراج محتجزتين .. سيتحتّمـُ عليهمـ إخراج ثلاثة .. ولا نعلمـ
إذا ما كان هذا العدد سيتضاعف فيما بعد "

لمحت عبير ذراعًا ظهرت من بين الدخان الخارج من مخرج الطوارئ ،
راحت تُخبرك رجال الإطفاء مُتبعدةً عن الفتيان ، تحرّك أحد رجال الإطفاء
نحو المخرج ، أخذ يسحب صاحبة الذراع لتظهر أنها وصال تُمسك بجسد
رانيا وقد أغمي عليها من كثرةِ الزحف ,,

اتجه الجميع نحو الفتياتين عدا وسامـ وأنس .
التفت وسامـ خلفه ليجد أنه لمـ يعد يقدر على الإبصار ؛ فقد تشوّش
النظر عنده ، أمسك رأسه ، أحسَّ فجأةً بألمـٍ حادٍ في صدره ، راح يتألمـ
دون أن ينتبه إليه أحدٌ ممّن ذهبوا لإلقاء نظرةٍ على رانيا ووصال .








حُمِلَمتِ الفتاتان إلى سيّارة إسعافٍ كلٌ وبجوارها صديقتها ، ذهب أنس
ليقف بجوار صديقه الذي كان مُديرًا له الظهر ، تقدّمـَ أنس خطوتين إلى
الأمامـ وهو ينظر إلى سيارتي الإسعاف التي حملت الفتياتين إلى
المشفى ، قال محدّثًا صديقه وما يزال مديرًا له ظهره :
" لا أعلمـ ما الذي كان سيحدث لو لمـ تَلْكُمـ ذاك المتهوّر .. "
أردف وهو يستدير للخلف : " أحسنتَ يا ....... "
قطع كلامه المشهد الذي رأته عيناه ، رأى وسامـ ممدّدًا على الأرض مغشيًا عليه
ويده على صدره ووجهه شاحب اللون ، صرخ أنس بأعلى
صوته مُناديًا باسمـ صديقه وسامـ .







علت أصوات سيارات الإسعاف بين شوارع المدينة في تلك الليلة المثلجة ،
ارتفع صوت خطوات والدي وسامـ في ممرات المشفى حينها ..
توقفا أمامـ غُرفةٍ رأيا أن أنس يقف أمامـ بابها ، التفت إليهما بوجهٍ لمـ
يستطع إخفاء الحزن والخوف الذي انتاباه ، سأله والد وسامـ قائلاً :
" أنس .. قل لنا .. ما الذي أصاب وسامـ ؟ "
حرّك أنس رأسه يمينًا ويسارًا ليفهمـ والدا صديقه أنه لا يعلمـ شيئًا ،
قال لهما بصوتٍ حزينٍ : " كان على ما يُرامـ .. فجأةً وجدته في حالٍ
يُرثى لها "

فُتِحَ باب الغرفة التي بها وسامـ ، خرج الطبيب ليكتشف الحضور
أنه خال وسامـ ، قالت أخته في خوفٍ : " طمئنّا يا رشيد .. ما الذي
أصاب وسامـ ؟ "

بدا الحزن واضحًا في عيني رشيد ، قال والد وسامـ : " رشيد ,,
قل شيئًا يا رجل ... أأصاب مكروه ولدي الوحيد ؟ "

تنهّد رشيد ، وقال بعد صمتٍ وجيزٍ : " وعدتُ وسامـ ألاّ أُخبركما ، سِرتُ
معه في اختباره لكما .. كثيرًا ما طمأنتُ نفسي بكلامه الذي أقنعني ،
مع علمي أن ما يفعله مجازفةٌ كبيرةٌ جدًا "

دبَّ القلق في نفوس الحاضرين ، فقالت والدته : " رشيد.. أرجوكَ يا أخي ،
انسَ أنكَ طبيبٌ الآن ولا داعي لهذا الأُسلوب ، أخبرنا باختصارٍ ماذا حصل لابننا ؟ "

قال رشيد : " ابنكِ يا وداد ويا هشامـ ... يُعاني مشاكل في القلب ..
ابنكما أيها الطبيبان .. كان يختبركما ليرى إن كنتما ستشعران بمرضه أمـ
لا ... ويا للأسف ، فشلتما أكبر فشلٍ في هذا الإختبار "

شهِقَ الجميع بعد الذي سمعوه ..

قال هشامـ : " ولماذا أخفيتَ أنتَ عنّا هذا الأمر ؟ "
أجاب رشيد : " لقد وعدته "
قالت وداد : " هكذا بكل بساطة ؟ "
ردّ عليها رشيد : " أليس من حقِّ المريض على الطبيب أن يكتمـ
سرّهُ إن طلب هو ذلك .. أيتها الطبيبة ؟ "
فاضت الدموع من عيني وداد ، أجابته :
" ومع هذا ... لا يُبرر لكَ هذا الأمر ما فعلته "

سأله هشامـ : " أهو مستيقظٌ الآن ؟ "
أجابه رشيد : " أجل .. لكنه لن يستطيع إحتمال الإرهاق بعد الآن "

تنحّى رشيد من أمامـ الباب ليدخل والدا وسامـ إليه ، في حين بقي أنس
يشاهد ما حوله في اندهاشٍ ممّا يحصل .. عادت ذاكرته إلى الخلف قليلاً ،
ثمـّ قال هامسًا : " إذن هذا هو السر الذي أخفيته عنّي يا وسامـ ! "

رأى وسامـ والديه حينما دخلا إليه ، لمـ يُبدِ حركةً البتّة ، أسرعت إليه
والدته في لهفة ، وقفت أمامه راسمةً ابتسامةً على وجهها الذي لمـ
يستطع إخفاء الخوف الذي سكنها ، انحنت إلى مستواه ، قرّبت
وجهها من وجهه تريد تقبيل جبهته ، إلاّ أنه أشاح بوجهه إلى اليسار
مُبعدّا إيّاه عن والدته وهو مُقطّبُ الحاجبين .

ذُهِلَت أمّه من ردّة فعله تلك ، فقالت : " لماذا .... يا وسامـ ؟ "
لمـ يُجب وسامـ بأيةِ كلمةٍ ، أغمض عينيه ليُبديَ استياءه الشديد ،
قال له والده وهو ينظر إليه عاتبًا : " كيف لوحيد والديه أن يُخفي عنهما
ألمـ صدره هكذا بكل بساطةٍ ؟ كيف ؟ "
قال وسامـ : " ذاك الوحيد لمـ يُخفي ألمه يا أبي ، إنّما ترك الفرصة
لوالديه حتى يشعرا به "
قال والده : " أما كان لكَ أن تخبرنا ؟ كنّا لننصتَ إليكَ "
التفت إليه وسامـ ووجهه على حالته الغاضبة ، قال :

" تذهبان إلى المشفى قبل استيقاظي ، قلّما أراكما وقت الغداء في
المنزل ، بعد الطعامـ يأخذ الجميع قيلولةً ، وبعد القيلولة تعودان إلى
المشفى الذي تبقيان فيه لبعد نومي .. فأين هي الفرصة حتى أُخبركما ؟
أظننتَ يا أبي أنني مستمتعٌ بما يسري في صدري ؟ أمـ أنّ همّـ
إخفاء المرض خفيفٌ عليّ ؟ لا .... لا هذا ولا ذاك ، لو أنّكما أعطيتُماني
شيئًا من وقتكما ، لما وصلتُ إلى هذه الحال "

ردّ عليه والده في غضبٍ : " نحن نتعب ونشقى من أجلكَ أنتَ لا من
أجلنا نحن ، كل ما نفعله من أجل مصلحتكَ وحدك ، والآن تلومنا على
أمرٍ لا مُلامـَ فيه إلاّ أنت ؟ "

حاول وسامـ النهوض ليجلس ، أحسّ ببعض الألمـ الخفيف ، همّت والدته
بمساعدته إلاّ أنه كان في غِنىً عنها . قال بأنفاسٍ شبه متقطّعةٍ :

" مصلحتي في وجودكما حولي ، مصلحتي في أن أجد من أحكي
له عن وجعي ، لا في الجاه والمال ..... أنا ابنكما لا المستشفى ،
أنا الأَوْلى بالاهتمامـ ، لن يضركما القليل من تنظيمـ الوقت ، أخبرني
وفسّر ليَ رجاءً كيف لجرّاحٍ في مقامكَ يُنقذ في اليومـ العديد من
المرضى من الموت ، ألاّ يُلاحظ موت ابنه البطيئ ؟ "

التفت إلى والدته ، وأردف : " وكيف لطبيبةٍ نِسائيةٍ بمنزلتكِ يا أُمي
تصف الدواء لمريضاتها ، ولمـ تشعر حتى بداء ابنها الوحيد ؟ "

صمت الإثنان ، عاد وسامـ وقال : " كثيرًا ما تجاهلتُ عدمـ اهتمامكما
بي ... وكثيرًا ما أقنعتُ نفسي أنني لا أحتاج الرعاية، لكنني أردتُ إعطاءكما
فرصةً أخيرةً لعلّ وعسى أن تلاحظا ألمي ...
ولكن لا ... أخيرًا تبددت شكوكي وأيقنتُ أنني بالفعلِ مُهملٌ من أقرب الناس إلي ...
من أبي وأُمي "

قالت وداد لنفسها : " لكنني لاحظتُ وجهه الشاحب ..... لا ، لاحظتُ
لونه فقط ، ولمـ أُكلّف نفسي حتى بسؤاله عن السبب ... "
أردفت لنفسها وهي تنظر إلى ابنها : " هو على حقٍ في كل ما قاله،
عملنا أشغلنا حتى عن أكبر مسؤولياتنا " .


عاد وسامـ مُستلقيًا على ظهره يُحاول إلتقاط أنفاسه والغضب يعتريه ،
أشارت وداد إلى هشامـ بأن يخرج معها ، فامتثل لطلبها تاركين وسامـ
لوحده ، ما إن خرجا حتى دخل أنسٌ عليه .. كانت ملامحه غريبةً على
عيني وسامـ ، لمـ يعرف كيف يصفها ، أكان غاضبًا أمـ حزينًا ؟ أجاء مُباركًا
للسلامة أمـ مُعاتبًا ؟ لمـ يدرِ وسامـ كيف يُفسّرُ تلك الملامح ..

تنهّد أنس ، وقال : " حمدًا لسلامتك "
ابتسمـ وسامـ ابتسامةً خفيفةً ، وقال : " دعني أُخمِّن .. أنتَ عاتبٌ عليّ ،
أليس كذلك ؟ "
ردّ أنس : " لو كنتُ عاتبًا عليكَ لهان الأمر ، ما فعلته حطّمـَ كياني يا رجل "
صمتَ وسامـ بعد حديث صديقه ، ليعود الأخير قائلاً :
" ماذا كنتَ ستخسر لو أطلعتني على سرك ؟ أرضيتَ أن أكون آخر
العالمين بمرضك ؟ ألهذه الدرجة لا تطمئنُّ لي ؟ آهٍ يا وسامـ ..
فعلتكَ هذه كبيرةٌ عليّ ، لمـ أتوقعها البتة "

أجاب وسامـ : " أعلمـ حرصكَ الشديد علي ، وعلمي هذا هو ما منعني
من إخبارك ، كنتَ لتخبر والداي ، وكان الإختبار ليفشل لو فعلتَ ما توقعته،
أنا لمـ أُطلع أحدًا إلاّ مُجبرًا .. وها أنتَ ذا قد علمت ، فلمـَ الغضب ؟
خذِ الأمر ببساطةٍ وتصرّف كأن شيئًا لمـ يكن "

طُرِقَ باب الغرفة ، ليدخل خالُ وسامـ الطبيبُ ، قَدِمـَ إليه مُبتسمًا ،
وقال له : " أبشر يا وسامـ .. ذهب والداكَ ليأخذا إجازة من العمل "
اندهش وسامـ ممّا سمعه ، التفت إلى أنس والذهول يعتريه ،
نظر إلى غطاءه ، وقال مُبتسمًا : " أخيرًا "






أفاقت صوفي من غيبوبتها ، أخذت تنظر حولها والإعياء مُسيطرٌ على
جسدها ، أحسّت أن شيئًا حجب الرؤية عن عينها اليُسرى ، مدّت
يدها فإذ بها تجد أن الضماد قد لفَّ الجهة اليُسرى من وجهها ، أخذت
تتحسّسُهُ بخوفٍ شديدٍ ، قال لها أحدهمـ : " اطمئنّي يا ابنتي ..
محضُ حروقٍ سطحيةٍ "
التفتت يمينها ، فإذ به والدها مُبتسمـٌ لها ، أردف قائلاً :
" أحمد الله على سلامتك ، كدتِ تقتلينني رعبًا "
قالت له : " قلتَ أن حروق وجهي سطحيةٌ ، فلماذا هذا الضماد
إذن ؟ "
أجابها : " حروقكِ ليست سطحيةً بالمعنى الحقيقي للكلمة ،
صوفي ... تحتاجين عمليةً تجميلية لتزيلي ما شوّهتِ النيران من وجهكِ "

أغمضت صوفي عينها بحرقةٍ شديدةٍ ، بدا الحزن العامر واضحًا عليها ،
قالت : " لا أعلمـ سبب عجبي ... إلاّ أن غياب باسكال يريبني ..
ألمـ تُكلّق نفسها حتى الإطمئنان علي ؟ أي زوجةٍِ هذه التي اخترتها
يا أبي ؟ "

قال لها : " لا تتسرعي كعادتك ، لو سألتني لعلمتِ أن باسكال هي من أحضرت لكِ الجراح التجميلي من فرنسا ، وهي من ستتكفّل بكل تكاليف
العملية ، بالرغمـ من أن بمقدوري دفع كل تلك التكاليف الباهظة "

اتسعت عينا صوفي بعد الذي سمعته ، نظرت إلى والدها ليقول لها :
" تمنّيتُ لو أنّكِ رأيتِ النظرة الخائفة التي نطقت بها أعينُها ..
صوفي يا عزيزتي ... باسكال تحبكِ ، وتخاف عليكِ ، تعتبركِ أُختًا وصديقةً
لها ، أنتِ من يقع عليكِ اللومـ ، أعطها فرصةً واحدةً فقط وستلمسين
طيبتها وحنانها اتجاهك "

قالت صوفي بعد بعد صمتٍ وجيزٍ مبتسمةً : " أعتقد أنني سأفعل ذلك "










بدا الغضب شديد الوضوح على وجهها حينها ، أخذت عبير تنظر إليها
مستغربةً من تلك الملامح ، سألتها قائلةً : " أيُؤلمُكِ رأسكِ يا رانيا ؟ "
أجابت رانيا : " كلاّ "
قالت عبير : " وقدمك ؟ "
أجابتها : " أبدًا "
قالت عبير : " إذن ما سبب هذه النظرات الغاضبة ؟ "
قالت رانيا : " عبير ... إن عادت أُمّي مجددًا إلى هنا فأخّريها ،
قد تأتي وصال في أية لحظةٍ .. دعينا لوحدنا من فضلك "

أومأت عبير برأسها رغمـ عدمـ فهمها للسبب الداعي لمثل هذا الطلب ،
استجابت لطلب رانيا وقامت من مقعدها تاركةً ابنة عمّها بمفردها ..

لمـ تمضِ أكثر من ربع ساعةٍ ، إلاّ وقد قدمت وصال إلى رانيا تمشي مُتّكئةً
على عُكّازين جرّاء الكسرِ الذي أصاب كاحلها الأيمن ..
نظرت إليها رانيا نظرةً مِلؤها الحقد والكراهية ، قالت لها :
" ما الذي أتى بك ؟ "
اندهشت وصال لما سمعته ، أردفت رانيا :
" أهنالكَ تُهمةٌ أُخرى أتيتِ تلفّقينها إلي ؟ أأوصتكِ أمل بمشاجرتي
والإنتقامـ منّي مجددًا أمـ ماذا ؟ "
أجابت وصال : " لا هذا ولا ذاك .. جئتُُ أطمئّنُ عليكِ وأشكركِ على تلقّي
الصدمة عنّي لا أكثر ... "
أردفت قائلةً : " أمّا بالحديث عن أمل .. فقد أنهيتُ صداقتي معها ،
كما أنني طردتها ، هي سبب كل ما جرى بيننا "
قالت رانيا : " إذن اعتبري نفسكِ في مكان أمل واخرجي من هنا ،
أعطيتكِ فرصةً وسامحتكِ على أخطائكِ معي .. ولن أُكرر نفس الخطأ
مجددًا .. "

صمتت وصال جرّاء الصدمة التي تلقّتها من كلامـ رانيا ، ملأتِ
الدموع عينيها حسرةً ، وقالت : " على كلٍ .. أعتذر عمّا بدر مني ..
وشكرًا على لطفكِ معي في السابق "، وخرجت والحزن يُحطّمها تحطيمًا .
دخلت أمل بعد خروج وصال ، قالت : " ما سبب دموعها يا رانيا ؟ "

أجابت : " لا يُلدغُ المؤمن من الجُحرِ مرّتين .. حسمتُ أمري ..
رانيا التي باليومـ ، مُختلفةٌ تمامـَ الإختلاف عن رانيا التي بالأمس ..
طيبتي الزائدة عن حدّها التي أوصلتني لحد الغباء ستنحصر في شبرٍ
يكفي قِلّةً من المحيطين بي ، أمّا ذكريات الماضي فلمـ يعد لها وجودٌ
في سجلّي "

أردفت : " اليومـ ... نسفتُ ماضيَّ ، اليومـ أنا أعيش حاضري كاملاً
بكل تفاضليه بعيدًا عن الماضي ،حتى أستطيع عيش مستقبلي " .







بعد أسبوعٍ من الحادث تقريبًا ، خرج أبطالنا من المشفى ، انتقلت
صوفي إلى فرنسا مع والدها وباسكال التي أصبحت أكثر من صديقتها ،

انتقل وسامـ للعيش في الرباط مع والديه - اللذان أصبحا يُعطيانه حقه
من الإهتمامـ - لاستكمال علاجه ، انتقلت وصال للعيش مع جديها وعمّتها
بعيدًا عن حرب والديها المُنفصلين ، لمـ تنقطع العلاقة بين أنس ووسامـ
رغمـ انتقال الأخير ، فقد كانت الزيارات كفيلةً بتوطيد العلاقة أكثر ،

أمّا رانيا ... فقد أكسبتها تلك التجربة صلابةً جعلتها تُميّز الشرير من
الخيّر ، وأصبحت أكثر ابتعادًا من ذاك الماضي المللاصق لها بصحبة
عبير .... صديقتها الوحيدة .





 

  رد مع اقتباس