فصل [ احفظ قلبك في الخلوة يحبك الله والناس ]
إن للخلوة تأثيرات تتبين في الجلوة , كم من مؤمن بالله عز وجل يحترمه عند الخلوات فيترك ما يشتهي حذراً من عقابه , أو رجاء لثوابه , أو إجلالاً له , فيكون بذلك الفعل كأنه طرح عوداً هندياً على مجمر , فيفوح طيبه فيستنشقه الخلائق ولا يدرون أين هو .
وعلى قدر المجاهدة في ترك ما يهوي تقوى محبته , أو على مقدار زيادة دفع ذلك المحبوب المتروك يزيد الطيب , ويتفاوت تفاوت العود .
فترى عيون الخلق تُعظم هذا الشخص وألسنتهم تمدحه ولا يعرفون لِمَ ؟ ولا يقدرون على وصفه لبعدهم عن حقيقة معرفته .
وقد تمتد هذه الأرابيح بعد الموت على قدرها , فمنهم من يُذكر بالخير مدة مديدة ثم ينسى , ومنهم من يًذكر مائة سنة ثم يخفى ذكره وقبره , ومنهم أعلام يبقى ذكرها أبداُ .
وعلى عكس هذا من هاب الخلق , ولم يحترم خلوته بالحق , فإنه على قدر مبارزته بالذنوب , وعلى مقادير تلك الذنوب , يفوح منه ريح الكراهة فتمقته القلوب , فإن قلّ مقدار ما جنى قلّ ذكر الألسن له الخير , وبقي لمجرد تعظيمه , وإن كثر كان قصارى الأمر سكوت الناس عنه لا يمدحونه ولا يذمونه .
ورب خال بذنب كان سبب وقوعه في هوة شقوة في عيش الدنيا والآخرة وكأنه قيل له : ابق بما آثرت فيبقى أبداً في التخبيط .
فانظروا إخواني إلى المعاصي أثرت وعثرت . وقال أبو الدرداء رضي الله عنه : إن العبد ليخلو بمعصية الله تعالى , فيلقى الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر .
فتلمحوا ما سطرته , واعرفوا ما ذكرته , ولا تهملوا خلواتكم ولا سرائراكم , فإن الأعمال بالنية , والجزاء على مقدار الإخلاص .