فصل [ التفكر في عاقبة الذنب قبل ارتكابه ]
المؤمن لا يبالغ في الذنوب , وإنما يقوى الهوى وتتوقد نيران الشهوة فينحدر .
وله مداد لا يعزم المؤمن على مواقعته , ولا على العود بعد فراغه , ولا يستقصي في الإنتقام إن غضب , وينوي التوبة قبل الزلل .
وتأمل إخوة يوسف عليهم السلام فإنهم عزموا على التوبة قبل إبعاد يوسف فقالوا " اقتلوا يوسف " ثم زاد ذلك تعظيماً فقالوا " أو اطرحوه أرضا " ثم عزموا على الإنابة فقالوا " وتكونا من بعده قوماً صالحين " فلما خرجوا به إلى الصحراء هموا بقتله بمقتضى ما في القلوب من الحسد . فقال كبيرهم " لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجب " ولم يرد أن يموت بل يلتقطه بعض السيارة , فأجابوا إلى ذلك .
والسبب في هذه الأحوال أن الإيمان على حسب قوته , فتارة يردها عند الهم , وتارة يضعف فيردها عند العزم , وتارة عن بعض الفعل , فإذا غلبت الغفلة , ووقع الذنب , فتر الطبع , فنهض الإيمان للعمل , فينغص بالندم أضعاف ما التذ .
فصل [ التقوى هي الحصن الذي يحميك من تقلبات الأيام ]
اعلم أن الزمان لا يثبت على حال كما قال عز وجل " وتلك الأيام نداولها بين الناس " فتارة فقر , وتارة غنى , وتارة عز , وتارة ذل , وتارة يفرح الموالي , وتارة يشمت الأعادي . فالسعيد من لازم أصلاً واحداً على كل حال , وهو تقوى الله عز وجل , فإنه إن استغنى زانته , وإن افتقر فُتحت له أبواب الصبر , وإن عوفي تمت النعمة عليه , وإن ابتلي جملته , ولا يضره إن نزل به الزمان أو صعد , أو أعراه أو أشبعه أو أجاعه . لأن جميع تلك الأشياء تزول وتتغير .
والتقوى أصل السلامة , حارس لا ينام , يأخذ باليد عند العثرة , ويواقف على الحدود . والمنكر من غرته لذة حصلت مع عدم التقوى فإنها ستحول وتخليه خاسراً .
ولازم التقوى في كل حال , فإنك لا ترى في الضيق إلا السعة , وفي المرض إلا العافية . هذا نقدها العاجل والآجل معلوم .