فصل [ صلاح القلب بالعزلة والفكر والعلم ]
تأملت أمر الدنيا والآخرة , فوجدت حوادث الدنيا حسية طبعية , وحوادث الآخرة إيمانية يقينية , والحسيات أقوى جذباً لمن لم يقو علمه ويقينه .
والحوادث إنما تبقى بكثرة أسبابها , فمخالطة الناس , ورؤية المستحسنات والتعرض بالملذوذات , يقوي حوادث الحس , والعزلة , والفكر , والنظر في العلم , يقوي حوادث الآخرة .
ويبين هذا بأن الإنسان إذا خرج في الأسواق , ويبصر زينة الدنيا , ثم دخل إلى المقابر , ففكر ورقّ قلبه , فإنه يحس بين الحالتين فرقاً بيناً . وسبب ذلك , التعرض بأسباب الحوادث .
فعليك بالعزلة والذكر والنظر في العلم , فإن العزلة حمية , والفكر والعلم أدوية , والدواء مع التخليط لا ينفع . وقد تمكنت منك أخلاط المخالطة للخلق , والتخليط في الأفعال فليس لك دواء إلا ما وصفت لك . فأما إذا خالطت الخلق وتعرضت للشهوات , ثم رمت صلاح القلب رمت الممتنع .
فصل [ يكشف الله السرائر ]
نظرت في الإدلة على الحق سبحانه وتعالى فوجدتها أكثر من الرمل , ورأيت من أعجبها أن الإنسان قد يُخفي ما لايرضاه الله عز وجل , فيظهره الله سبحانه عليه ولو بعد حين , وينطق الألسنة به وإن لم يشاهده الناس .
وربما أوقع صاحبه في آفة يفضحه بها بين الخلق , فيكون جواباً لكل ما أخفى من الذنوب , وذلك ليعلم الناس أن هنالك من يُجازي على الزلل , ولا ينفع من قدره وقدرته حجاب ولا استتار , ولا يصاغ لديه عمل .
وكذلك يخفي الإنسان الطاعة فتظهر عليه , ويتحدث الناس بها وبأكثر منها , حتى إنهم لا يعرفون له ذنباً ولا يذكرونه إلا بالمحاسن , ليعلم أن هنالك رباً لا يُضيع عمل عامل .
وإن قلوب الناس لتعرف حال الشخص وتحبه , أو تأباه وتذمه , أو تمدحه وفق ما يتحقق بينه وبين الله تعالى , فإنه يكفيه كل همّ , ويدفع عنه كل شر . وما أصلح عبد ما بينه وبين الخلق دون أن ينظر الحق , وإلا انعكس مقصوده وعاد حامده ذامّاً