" أين أنــا ؟ " كثيرًا ما ترددت هذه العبارة في ذهني ..
لمـ أعلمـ أين أنا بالتحديد !
مكانٌ طغت أشعة الشمس عليه ، أبيضٌ غريبٌ ، لا زاوية فيه ولا عمودًا ،
لا ظلاً فيه ولا كائنًا ....... لكن مهلاً .. ثمة هنالك بابٌ حديديٌ ضخمـٌ ،
يبدو جديدًا ، مطليٌّ بالسواد ، بنوافذ زجاجية في أعلاه ..
تقدمتُ إليه ، مع كل خطوة خطوتها ، كانت دقات قلبي تتسارع ،
أهو الخوف أمـ ماذا ؟ وإن كان كذلك ,, فممـَ أخاف ؟ لمـ أجد أجوبةً لتلك الأسئلة ..
وها هو الباب أمامي مباشرة ، يفصل بيني وبينه شبرٌ ضئيلٌ ..
مددتُ يدي في خوفٍ شديدٍ ، دفعني إلى بلع لعابي ..
فتحته ! لأرى ما لمـ أتوقعه يومًا ...
قاعة ضخمة .. بها كراسٍ عديدة مصطفة بعناية شديدة ..
أناسٌ كثرٌ .. وجوههمـ ليست غريبةً علي ..
يرتدون السواد .. يحملون مناديلاً ، بدا لي أنني أرى دموعًا !
أيبكون ؟ لماذا ؟ وعلى من ؟
اقتربتُ منهمـ أجري .. لأرى مشهدًا أسال دمعي ..
إنه تابوتٌ .. به جثتــــان .. الأولى لرجلٍ، والأخرى لامرأة ..
لمـ أرَ وجهيهما ، فقد غطي وجه كلٍ منهما بقطعةٍ قماشٍ بيضاء ..
تلفّتُ حولي .. مرتبكة ..
"جونـــــــــــــاآاآاآاآاآا !! " ثقبت تلك الصرخة طبلة أذني ..
تبع وجهي مصدر الصوت ، لأفاجأ بــسالي قد ارتامت على صدري تبكي بحرقةٍ شديدةٍ ..
رفعتُ رأسها عني ، قائلةً : " سـ .. ســا .. سالي ..ما بك ؟! "
قالت ماسحة دموعها : " عزيزتي .. يبدو أن الصدمة قد حبست دموعكِ ..
لا تقلقي يا عزيزتي .. لا تقلقي .. فلستِ وحيدةً .. وإن فقدتهما "
قلتُ بخوف : " عن ماذا تتحدثين ؟ أنا لمـ أفقد أحدًا لأبقى وحيدةً ! "
اتسعت عينا سالي العسليتان ، وقالت : " جونا .. صدقيني .. لن أترككِ لوحدك .. "
صرختُ : " سالي .. تحدثي وأريحيني .. من مات ؟ "
صمتت سالي .. بدا أنها متفاجئة .. لمـ تنطق بكلمة واحدة ..
أشاحت بناظريها بعيدًا عني ..
لمعت الدموع في عيني .. قلتُ وأنا أرتعد : " أرجوكِ .. تحدثي "
نزلت تلك الدمعة من خدّّيْ صديقتي ..
لمـ تتكلمـ .. إنما التفتت إلى الخلف ، وقفت أمامـ ذاك التابوت الكئيب ،
أمسكت بقطعتي القماش التي غطتا وجهي المتوفيان ، رفعت الغطاءان ..
لتكون تلك هي الطامة الكبـــــرى ..
إنهمـــــا ........ والداي !!
" مســ .. مستحـ ... مستحيل !! " نطقت شفتاي بارتعاشٍ شديدٍ تلك الكلمة ..
وضعتُ يدي اليمنى على صدري ، والأخرى كانت على فمي ..
تقدمت جدتي لونا إلي ، بدت في أشد حزنها ..
لفّ السواد جسدها ، اختفى وجهها خلف تلك الشباك السوداء
المنسدلة من قبعتها ..
قالت بصوتٍ حزينٍ : " إنه حادثٌ .. حادثٌ مروري أردى والديكِ قتيلين "
بدأتُ أشهق ، وأشهق .. غاضت عيناي بالدموع ..
ضرخت !!! ضرختُ وضخرتُ .. وضرخت ..
" لاآاآاآاآاآاآاآا " .........
فتحتُ عيني .. فإذ بي أرى جدران غرفتي ..
أجل ... تلك خزانة ذكرياتي ، وذاك دولابي .. ذاك باب غرفتي ..
ضاقت نفسي ، فبدأتُ أحارب ليدخل الأكسجين إلى رئتي ..
وضعتُ يدي اليمنى على رأسي ..
هدأتُ لبعض الوقت .. قلتُ بصوتٍ أشبه بالهمس : " كان حلمًا ... "
صمتُّ قليلاً ثمـ أردفت : " وأي حلمـٍ هذا ! إنه كابوس !! "
نهضت من عند سريري ,, واتجهتُ إلى نافذة غرفتي ..
ما تزال ظلمة الليل مسيطرة على لون السماء ، فلمـ تشرق الشمس بعد ..
زاد لون السماء المسود من ضيق صدري ..
أغمضتُ عيني لبرهةٍ ..
فتحتها .. وقلتُ :
" أتمنـــــــــى أن يبقى حلمًا "
لكِ أحقية الإكمال يا من بعدي ..