موسى عليه السلام
11 – يوم الزينة
(قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) طه 59
بعد لقاء موسى مع فرعون خرج موسى عليه السلام من قصر فرعون, وركب عدد من الرجال مركباتهم وأسرعوا يتفرقون في مصر كلها: أن على جميع السحرة الماهرين التوجه إلى قصر فرعون لأمر هام.
وسارع فرعون في إعلان الموعد لجميع الناس، ليشهدوا هذا اليوم
وجاء اليوم المنتظر يوم الزينة, واجتمع السحرة الى فرعون فوعدهم بأجر كبير لو غلبوا موسى عليه السلام وأخذ يرغبهم ويعدهم ويمنيهم بآمال عظيمة إذ ما انتصروا على موسى وأخيه وتفوقوا عليهما، وكان السحرة يطمعون فيما عند فرعون من أجر ومكانة
وتسابق الناس إلى ساحة المناظرة، ليروا من المنتصر؛ موسى أم السحرة؟
وخرج الناس جماعات جماعات, أطفالا ونسلاء, شبابا وشيوخا, جاؤوا ليشهدوا مباراة هي الأولى من نوعها: مباراة بين سحرة فكلهم يظنون أن موسى عليه السلام ساحرا!!
بدأ الناس بأخذ أماكنهم في الاحتفال منذ الصباح الباكر, ولم يكن أحد في مصر لم يعرف قصة التحدي واللقاء بين هؤلاء السحرة, ولم يكن أحد يعرف بمعجزة موسى التي ستخرس كل الألسنة, وستجعل من فرعون وسحرته مثالا للكذب والتجني.
جلس فرعون تحت مظلة واقية من الشمس, ومن حوله جنوده وحاشيته وقادته وهو يرتدي أفخم الثياب المرصّعة بالجواهر, أما موسى عليه السلام فوقف صامتا يذكر الله في نفسه ولا ينظر لشيء حوله
(فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى) طه 64
كانت العصا في يد موسى عليه السلام واصطف السحرة ووقف موسىوهارون عليهما السلام تجاههم في ساحة المباراة أو قل ساحة الحرب والصراع بين الحق والباطل, بين الصدق والكذب, بين التواضع وبين الكبر والافتراء, انها معركة بين الكفر والايمان كفر فرعون وسحرته وايمان موسى عليه السلام ومعجزته.
(قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى)طه 65
بعد ذلك رفع فرعون يده إيذانا ببدء المناظرة وعرض السحرة على موسى أحد أمرين؛ إما أن يلقي عصاه أولاً أو يلقوا عصيهم أولاً فترك لهم موسى البداية
وكانوا قد عمدوا إلي حبال وعصى فأودعوها الزئبق وغيره من الآلاتالتي تضطرب بسببها تلك الحبال والعصي اضطراباً يخيل للرائي أنها تسعى باختيارهاوإنما تتحرك بسبب ذلك، فعند ذلك سحروا أعين الناس واسترهبوهم، وألقوا حبالهموعصيهم، وهم يقولون:
}فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُون{الشعراء:44
فقال لهم موسى عليه السلام:
{ قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} طه 61
فتناجى السحرة فيما بينهم, فقال بعضهم لبعض: ما هذا بقول ساحر
فذلك قول الله تعالى:{ فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى}
طه 62
فالتفت موسى فاذا جبريل على يمينه يقول له: يا موسى ترفق بأولياء الله, قال موسى لنفسه: هؤلاء سحرة جاؤوا ينصرون دين فرعون, عاد جبريل يقول: ترفّق بأولياء الله, هم من الساعة الى صلاة العصر عندك وبعد صلاة العصر في الجنة
(قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى) طه 66
رمى السحرة بعصيّهم وحبالهم, فاذا المكان يمتلىء بالثعابين والحيّات التي تجري هنا وهناك فجأة لقد سحروا أعين الناس, واسترهبوهم وأخافوهم وجاؤوا بسحر عظيم, وهلّل المصريون مكان الاحتفال, وابتسم فرعون ابتسامة عريضة وظنّ أنه قضى على موسى عليه السلام
(فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى* قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى) طه: 67- 68
فخاف الناس من هول ما يرونه أمامهم، حتى موسى وهارون-عليهما السلام-أصابهما الخوف ولكن سرعان ما سمع موسى عليه السلام صوتا يقول له
(وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) طه 69
اطمأن نبي الله موسى حين سمع رب العالمين يطمئنه, ولم يعد يرتكب أو ترتعش يداه, ثم رفع عصاه وألقاها فجأة
ولم تكد عصا موسى عليه السلام تلامس الأرض حتى وقعت المعجزة, فقد تحوّلت الى ثعبان جبار سريع الحركة, وتقدّم هذا الثعبان فجأة نحو حبال السحرة وعصيّهم التي كانت تتحرّك وبدأ بأكلها واحدا بعد آخر في أسرع ما يكون من الحركة
وفي دقائق معدودات خلت ساحة المباراة تماما من كل حبال السحرة وعصيّهم, لقد اختفت في بطن عصا موسى, ومشى الثعبان الضخم في أدب نحو موسى, ومدّ موسى يده فتحوّل الثعبان الى عصا
انها المعجزة التي تولّد معها الايمان بالله عز وجل.. ولكن لم ينتهي دور العصا بعد.
فلما رأى السحرة ذلك علموا أنها معجزة من معجزات الله وليست سحرًا لعلمهم بالسحر وعلومه ، فشرح الله صدورهم للإيمان بالله وتصديق ما جاء به موسى وكانت المفاجأة الكبرى فسجدوا لله الواحد الأحد، معلنين إيمانهم برب موسى وهارون.
وقالوا:{ آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى } طه 70
وللحديث بقية إن شاء الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته