
سوء الخلق (مظاهره – أسبابه – علاجه)
ومن مظاهر سوء الخلق أيضاً
التجسس و التحسس
أصل التجسس : تعرف الشيء عن طريق الجس أي الاختبار باليد
والتحسس : تعرف عن طريق الحواس
ثم استعملا في البحث عن عيوب الناس
وقيل : إن الأول البحث عن العورات و البحث عن بواطن الأمور و أكثر ما يكون في الشر
والثاني الاستماع لحديث القوم وما يدرك بحاسة العين و الأذن
وقيل : التجسس تتبع العورات لأجل غيره
والتحسس تتبعها لنفسه
و الحاصل أن التجسس و التحسس مما لا ينبغي بل نكتفي بالظاهر ونكل أمر الباطن إلى العليم الخبير إلا إذا كان التجسس طريقاً لدرء مفسدة كبيرة أو جلب مصلحة عظيمة كما لو علمنا أن أناساً عزموا على ارتكاب جريمة قتل أو سرق أو نحو ذلك فتجسسنا عليهم لنحول بينهم و بين ما يشتهون فلا حرج حينئذ
أما إذا قصد بذلك تتبع العثرات و الفرح بالزلات هذا هو المحذور الذي لا ينبغي فعله ولا الإقدام عليه
وهذا – مع بالغ الأسف – دأب كثير من الناس حيث تجده متتبعاً لعثرات إخوانه متناسياً حسناتهم فإذا سمع قبيحاً فرح به ونشر و إذا سمع حسناً ساءه ذلك وستره
فمن هذا دأبه وديدنه فهو من أحقر الناس و أسفلهم
قيل : فمن اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه عمي قلبه وتعب بدنه وتعذر عليه ترك عيوب نفسه فإن أعجز الناس من عاب الناس بما فيهم و أعجز منه من عابهم بما فيه
ويقال لمن فرح بزلات إخوانه : لا تفرح فلا بد أن تقع في الخطأ في يوم ما
مقابلة الناس بوجهين :
فتجد من الناس من يظهر لجليسه الموافقة و المودة و يلقاه بالبشر و الترحاب
فإذا ما توارى عنه سلقه بلسان حاد وشتمه و أقذع في سبه
وهذه الصفة من أحط الصفات و أخسها وصاحبها من شر الناس و أوضعهم
قال النبي صلى الله عليه وسلم ( تجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يلقى هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه )
بل إن أهل الجاهلية ينكرون مثل هذه الصفات القبيحة
إن شر الناس من يكثر لي حين يلقاني و إن غبت شتم
إساءة الظن :
فإساءة الظن من الأخلاق الذميمة التي تجلي الضغائن وتفسد المودة و تجلب الهم و الكدر
ولهذا حذرنا الله عز وجل من إساءة الظن كما في قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم " الحجرات 13
وقال عليه الصلاة و السلام (إياكم و الظن فإن الظن أكذب الحديث)
فتجد من الناس من هو سيئ الظن يحسب أن كل صيحة عليه وكل مكروه قاصد إليه و أن الناس لا هم لهم إلا الكيد له والتربص به
ومن صور سوء الظن عند بعض الناس ما يلي :
1- إذا رأى اثنين يتناجيان ظن أنه هو المقصود بالنجوى
2- إذا سمع ذماً عاماً لخصلة من الخصال ظن أنه هو المقصور بالذم
3- إذا كان هناك وليمة عند أحد من أقاربه أو أصدقائه فنسى صاحب الوليمة أن يدعوه أساء الظن به و اتهمه باحتقاره وازدرائه وعدم المبالاة به
4- إذا نصحه أحد ظن أن الناصح متغرض له متعال عليه متتبع لهفواته فلا يقبل منه عدلاً ولا صرفاً فيستمر بذلك على عيوبه ويبتعد عنه كل من أراد نصحه
5- إذا رأى أحداً يمشي حوله ظن أنه يراقبه و يترصد له
هذه بعض صور سوء الظن وهو في الغالب لا يصدر إلا عن شخص فارغ لا شغل له ولا هم عنده أو شخص سيئ الفعال ذي نفس مضطربة لذلك فهو ينظر إلى الناس نظرة المرتاب
وسوء الظن كذلك من الشيطان حيث يلقى في روع الإنسان الظنون السيئة و الأوهام الكاذبة ليفسد ما بينه وبين إخوانه
فما أحر بالمسلم أن يستعيذ بالله من الشيطان و أن يمضي لسبيله ويحسن ظنه بإخوانه المسلمين و أن يحملهم على أحسن المحامل و إلا فلن يريح ولن يستريح ولا يدخل في سوء الظن المذموم الظن بمن أورد نفسه موارد الريب
ولا يدخل فيه أيضاً من أساء الظن بعدوه الذي يخاف منه ولا يأمن مكره بل يلزمه سوء الظن به وبمكائده ومكره لئلا يصادف منه غرة فيصيبه من خلالها فهذا من تمام الاحتراز و أخذ الحيطة وهو محمود على كل حال
كما أنه ليس من الحزم و لا الكياسة في شيء أن يحسن المرء ظنه بكل أحد ويثق به ثقة مطلقة فيبيح له بمكنونه ويطلعه على كل صغيرة و كبيرة من أمره
بل إن هذا سذاجة و بلاهة وجهل و غفلة
وللحديث بقية إن شاء الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته