
سوء الخلق (مظاهره – أسبابه – علاجه)
مظاهر سوء الخلق :
سوء الخلق يأخذ مظاهر عديدة و صوراً شتى فمن ذلك ما يلي :
الغلظة و الفظاظة :
فتجد من الناس من هو فظ غليظ لا يتراخى ولا يتآلف ولا يلذ إلا المهاترة و الإقذاع ولا يتكلم إلا بالعبارات النابية التي تحمل في طياتها الخشونة و الشدة و الغلظة و القسوة
وذلك كله مدعاة للفرقة و العداوة و نزغ الشيطان وعدم قبول الحق
النبي عليه الصلاة و السلام مع أنه مرسل من الله ومؤيد بالوحي ومع أنه جاء بالهدى ودين الحق قال ربه عزل وجل في حقه " ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك " آل عمران 159
عبوس الوجه و تقطيب الحاجبين :
فكم من الناس من لا تراه إلا عابس الوجه مقطب الجبين لا يعرف التبسم و اللباقة ولا يوفق للبشر و الطلاقة
بل إنه ينظر إلى الناس شزراً ويرمقهم غيظاً و حنقاً لا لذنب ارتكبوه ولا لخطأ فعلوه و إنما هكذا يوحي إليه طبعه و تدعوه إليه نفسه
وهذا الخلق مركب من الكبر و غلظ الطبع فإن قلة البشاشة استهانة بالناس و الاستهانة بالناس تكون من الإعجاب و الكبر وقلة التبسم – وخاصة عند لقاء الإخوان – تكون من غلظ الطبع
فالعبوس وما يستتبعه من كآبة و اضطراب نفس دليل على صغر النفس
أما النفوس الكبيرة فيكتنفها جو السكينة و الطمأنينة
قيل لحكيم : من أضيق الناس طريقاً و أقلهم صديقاً ؟
قال : من عاشر الناس بعبوس وجه و استطال عليهم بنفسه
سرعة الغضب :
وهذا مسلك مذموم في الشرع و العقل وهو سبب لحدوث أمور لا تحمد عقباها فكم حصل بسببه من قتل و طلاق و فسات لذات البين ونحو ذلك مما ينتج عن الغضب
بل إن من الناس إذا غضب حمله غضبه على التقطيب في وجه غير من أغضبه و سوء اللفظ لمن لا ذنب له و العقوبة لمن لم يكن يريد به إلا دون ذلك
ثم يبلغ به الأمر إذا رضي أن يتبرع بالأمر ذي الخطر لمن ليس بمنزلة ذلك عنده ويعطي من لم يكن يريد إعطاءه ويكرم من لم يرد إكرامه
وهذا من الخلق المذموم ومما ينفي الحكمة و الحزم و المروءة و الاعتدال
قال عليه الصلاة و السلام ( ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب
فكمال قوة العبد أن يمتنع من أن تؤثر فيه قوة الغضب فخير الناس من كانت شهوته و هواه تبعاً لما جاء بالشرع وكان غضبه و مدافعته في نصر الحق على الباطل
وشر الناس من كان صريع شهوته و غضبه
فمن وفق لترك الغضب أفلح و أنجح و إلا فلن يصفو له عيش ولن يهدأله بال ولن يرتقي في كمال
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب ولا ينال العلا من طبعه الغضب
المبالغة في اللوم و التوبيخ
وهذا يقع كثيراً ممن لهم سلطة وتمكن
فتجد الواحد منهم يرعد ويطلق العبارات البذيئة ويبالغ في اللوم و التوبيخ بمجرد خطأ يسير وقع من شخص تحت سلطته
وهذا الصنيع مما تكرهه النفوس وتنفر منه القلوب فالناس يكرهون من يؤنب في غير مواطن التأنيب وينفرون ممن يبالغ فيه دون تروً أو تؤدة فلربما استبان له فيما بعد أنه ليس على حق أو أن هناك اجتهاداً صحيحاً
ومن الأمثلة على ذلك ما يقع من بعض المعلمين مع طلابهم حيث يبالغ في تقريع الطالب عند أدنى خطأ وربما كان ذلك الخطأ غير مقصود أصلاً مما يسبب النفرة من المعلم و الحرج للطالب فلربما أصيب بسبب ذلك بخيبة أمل وفقد للثقة بنفسه وربما ترك الدراسة فأصبح عالة على أهله و مجتمعه
وقل مثل ذلك فيما يقع بين الأصحاب و الأقارب فقد يمضي على أحدهم زمن طويل لم ير صاحبه فإذا ما رآه ابتدره باللوم و أمطر عليه وابلاً من التقريع على غيابه و قلة إتصاله
وهذا الأمر – و إن كان دليلاً على المحبة – إلا أنه سبب للقطيعة و المفارقة لأن الناس لا يحبون أن يحملوا كل شيء و أكثر الناس لا يتحمل أدنى عتب أو لوم ثم إن هذا الذي يلوم ينسى أنه يمكن أن يوجه إليه ذلك !
لعل له عذراً و أنت تلوم ورب امرئ قد لام وهو مليم
وللحديث بقية إن شاء الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته