وقوله تعالى: { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم الغداة والعشي يريدون وجهه } نزل هذا التوجيه للرسول صلى الله عليه وسلم عندما عرض عليه المشركون إبعاد أصحابه الفقراء كبلال وصهيب وغيرهما ليجلسوا إليه ويسمعوا منه فنهاه ربه عن ذلك وأمره أن يحبس نفسه مع أولئك الفقراء المؤمنين { الذين يدعون } ربهم في صلاتهم في الصباح والمساء لا يريدون بصلاتهم وتسبيحهم ودعائهم عرضاً من اعراض الدينا وإنما يريدون رضا الله ومحبته بطاعته في ليلهم ونهارهم.
وقوله تعالى: { ولا تعد عيناك عنهم } أي لا تتجاوز ببصرك هؤلاء المؤمنين الفقراء الى أولئك الأغنياء تريد مجالستهم للشرف والفخر وقوله { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا } فجعلناه غافلاً عن ذكرنا وذكر وعدنا ووعيدنا ليكون من الهالكين لعناده وكبريائه ظلمه.
وكان أمره فرطاً } أي ضياعاً وهلاكاً، وقوله تعالى في الآية الثالثة من هذا السياق { وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } أي هذا الذي جئت به وأدعوا إليه من الايمان والتوحيد والطاعة لله بالعمل الصالح هو (الحق من ربكم) أيها الناس. { فمن شاء } الله هدايته فآمن وعمل صالحاً فقد نجاه ومن لم يشأ الله هدايته فبقي على كفره فلم يؤمن فقد خاب وخسر.
وقوله: { إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها } أي جدرانها النارية، { وإن يستغيثوا } من شدة العطش { يغاثوا بماء كالمهل } ردئياً ثخيناً { يشوي الوجوه } إذا أدناه الشارب من وجهه ليشرب شوى جلده ووجهه ولذا قيل فيه ذم له. { بئس الشراب وساءت } أي جهنم { مرتفقاً } في منزلها وطعامها وشرابها إذ كله سوء وعذاب هذا وعيد من اختار الكفر على الإيمان وأما وعد من آمن وعمل صالحاً وقد تضمنته الآيتان (31-32) إذ قال تعالى: { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً } هذا حكمنا الذي لا تبديل له وبين تعالى أجرهم على إيمانهم وإحسان اعمالهم فقال: { أولئك لهم جنات عدن } أي إقامة دائمة { تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً من سندس واستبرق، متكئين فيها على الآرائك } وهي الأسرة بالحجلة. ثم أثنى الله تعالى على نعيمهم الذي أعده لهم بقولهم: { نعم الثواب } الذي أثيبوا { وحسنت } الجنة في حيلها وثيابها وفرشها وأسرتها وطعامها وشرابها وحورها ورضوان الله فيها { حسنت مرتفقاً } يرتفقون فيه وبه، جعلنا الله من أهلها.
يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم واضرب لأولئك المشركين المتكبرين الذين اقترحوا عليك أن تطرد الفقراء المؤمنين من حولك حتى يجلسوا إليك ويسمعوا منك { اضرب لهم } أي اجعل لهم مثلا: { رجلين } مؤمناً وكافرا { جعلنا لأحدكما } وهو الكافر { جنتين من أعناب وحففناهما بنخل } أي أحطناهما بنخل، { وجعلنا بينهما } أي بين الكروم والنخيل { زرعاً } { كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً } أي لم تنقص منه شيئاً { وفجرنا خلالهما نهراً } ليسقيهما. { وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره } أي في الكلام يراجعه، ويفاخره: { أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً } أي عشيرة ورهطاً، قال هذا فخراً وتعاظماً