صور
الكبيرة السادسة و العشرون: الظلم
بأكل أموال الناس و أخذها ظلماً وظلم الناس بالضرب و الشتائم و التعدي و الاستطالة على الضعفاء
قال الله تعالى :" ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار . مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم و أفئدتهم هواء . و أنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجيب دعوتك ونتبع الرسل . أولم تكونوا أقسمتم من قبل مالكم من زوال و سكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال "
وقال رسول الله ص عن الله تبارك وتعالى أنه قال : ( ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي و جعلته بينكم محرماً فلا تظالموا
وقال ص : ( من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو شيء فليتحلله اليوم من قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه )
وقال رسول الله ص: ( أتدرون من المفلس ؟ قالوا: يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع
فقال : إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة و زكاة و صيام و حج فيأتي وقد شتم هذا, و أخذ مال هذا , و نبش عرض هذا , و ضرب هذا , وسفك دم هذا . فيؤخذ لهذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرح عليه ثم طرح في النار)
عن جابر قال : لما رجعت مهاجرة الحبشة عام الفتح إلى رسول الله ص قال: ألا تخبروني بأعجب ما رأيتم بأرض الحبشة ؟ فقال فتية كانوا منهم : بلى يا رسول الله بينما نحن يوماً جلوس إذ مرت بنا عجوز من عجائزهم تحمل على رأسها قلة من ماء , فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت المرأة على ركبتيها وانكسرت قلتها . فلما قامت التفتت إليه ثم قالت : سوف تعلم يا غادر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين و الآخرين وتكلمت الأيدي و الأرجل بما كانوا يكسبون . سوف تعلم من أمري و أمرك عنده غداً . فقال رسول الله ص : ( صدقت كيف يقدس الله قوماً لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم )
وروي عن النبي ص أنه قال : ( خمسة غضب الله عليهم إن شاء أمضى غضبه عليهم في الدنيا و إلا أمر بهم في الآخرة إلى النار :
- أمير قوم يأخذ حقه من رعيته ولا ينصفهم من نفسه ولا يدفع الظلم عنهم
- وزعيم قوم يطيعونه ولا يساوي بين القوي و الضعيف ويتكلم بالهوى
- ورجل لا يأمر أهله وولده بطاعة الله ولا يعلمهم أمر دينهم
- و رجل استأجر أجيراً فاستوفى منه العمل ولم يوفه أجرته
- ورجل ظلم امرأة صداقها
وعن وهب بن منبه قال: بني جبار من الجبابرة قصراً وشيده فجاءت عجوز فقيرة فبنت إلى جانبه كوخاً تأوي إليه , فركب الجبار يوماً وطاف حول القصر , فرأى الكوخ فقال: لمن هذا ؟ فقيل لامرأة فقيرة تأوي إليه .
فأمر بهدمه , فجاءت العجوز فرأته مهدوماً فقالت: من هدمه ؟ فقيل الملك رآه فهدمه
فرفعت العجوز رأسها إلى السماء وقالت: يا رب إذا لم أكن أنا حاضرة فأين كنت أنت؟
قال: فأمر الله جبريل أن يقلب القصر على من فيه فقلبه
وقيل لما حبس خالد بن برمك وولده
قال: يا أبتي بعد العز صرنا في القيد و الحبس
فقال: يا بني دعوة المظلوم سرت بليل غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها
وجاء عن النبي ص أنه قال: ( من ضرب سوطاً ظلماً اقتص منه يوم القيامة )
ومما ذكر أن كسرى اتخذ مؤدباً لولده يعلمه و يؤدبه حتى بلغ الولد الغاية في الفضل و الأدب استحضره المؤدب يوماً وضربه ضرباً شديداً من غير جرم ولا سبب , فحقد الولد على المعلم إلى أن كبر و مات أبوه فتولى الملك بعده فاستحضر المعلم وقال له: ما حملك على أن ضربتني يوم كذا و كذا ضرباً وجيعاً من غير جرم ولا سبب
فقال المعلم: أعلم أيها الملك أنك لما بلغت الغاية في الفضل و الأدب علمت أنك تنال الملك بعد أبيك , فأردت أن أذيقك ألم الضرب و ألم الظلم حتى لا تظلم أحد فقال الملك : جزاك الله خيراً ثم أمر له بجائزة وصرفه
ومن الظلم أخذ مال اليتيم
وتقدم حديث معاذ بن جبل حين قال له رسول الله: (واتق دعوة الظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب )
ومن أعظم الظلم المماطلة بحق عليه مع قدرته على الوفاء قال رسول الله ص ( مطل الغني ظلم)
ومن الظلم أن يظلم المرأة حقها من صداقها ونفقتها و كسوتها وهو داخل في قوله ص ( لي الواجد ظلم يحل عرضه و عقوبته )
ومن الظلم أن يستأجر أجيراً أو انساناً في عمل ولا يعطيه أجرته قال رسول الله ص يقول الله تعالى ( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته رجل أعطى بي غدر و رجل باع حراً فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيراً فاستوفى من العمل ولم يعطه أجرته
في الحذر من الدخول على الظلمة و مخالطتهم و معونتهم
قال الله تعالى :" ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار " والركون ههنا السكون إلى الشيء والميل إليه بالمحبة
وقد روي عن النبي ص أنه قال ( أول من يدخل النار يوم القيامة السواطون الذين يكون معهم الأسواط يضربون بها الناس بين يدي الظلمة )
وقال رسول الله ص : ( أتى رجل في قبره فقيل له : إنا ضاربوك مائة ضربة فلم يزل يتشفع حتى صاروا إلى ضربة واحدة فضربوه فالتهب القبر عليه ناراً فقال: لم ضربتموني هذه الضربة؟ فقالوا: إنك صليت صلاة بغير طهور ومررت برجل مظلوم فلم تنصره )
فهذا حال من لم ينصر المظلوم مع القدرة على نصره فكيف حال الظالم
عن رسول الله ص أنه قال ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً , فقال يا رسول الله : أنصره إذا كان مظلوماً فكيف أنصره إذا كان ظالماً ؟ قال تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره )
ومما حكي قال بعضهم رأيت رجلاً مقطوع اليد من الكتف وهو ينادي من رآني فلا يظلمن أحداً فتقدمت إليه فقلت له : يا أخي ماقصتك ؟ قال: يا أخي غني كنت من أعوان الظلمة فرأيت يوماً صياداً وقد اصطاد سمكة كبيرة فأعجبتني فجئت إليه
فقلت: أعطني هذه السمكة
فقال : لا أعطيكها أنا آخذ بثمنها قوتاً لعيالي
فضربته و أخذتها منه قهراً ومضيت بها فبينما أمشي بها عضت علي إبهامي عضة قوية و آلمتني ألماً شديداً ولم أنم من شدة الوجع وورمت يدي
فلما أصبحت أتيت الطبيب
فقال : هذه بدء الأكلة اقطعها و إلا تقطع يدك
فقطعت ابهامي ثم امتد الألم ليدي فقطعت كفي ثم الساعد فقطعتها من المرفق ثم انتشر الألم إلى العضد فقطعنها من الكتف
فقال لي بعض الناس : ما سبب ألمك ؟ فذكرت قصة السمكة
فقال لي : لو كنت رجعت في أول مرة واستحللت من و أرضيته لما قطعت من أعضائك عضواً
فلم أزل أطلبه في البلد حتى وجدته فوقعت على رجليه أفبلها و أبكي وقلت له : ياسيدي سألتك بالله ألا عفوت عني
فقال لي : ومن أنت ؟
قال : أنا الذي أخت منك السمكة غصباً وذكرت ماجرى و أريته يدي فبكى حين رآها
ثم قال : يا أخي قد أحللتك منها لما قد رأيته بك من هذا البلاء
فقلت : يا سيدي بالله هل كنت قد دعوت علي لما أخذتها ؟
قال : نعم إني قلت اللهم إن هذا تقوى علي بقوته على ضعفي على ما رزقتني ظلماً فأرني قدرتك فيه
فقلت : أنا تائب إلى الله عز وجل عما كنت عليه من خدمة الظلمة ولا عدت أقف لهم على باب ولا أكون من أعوانهم ما دمت حياً إن شاء الله