قاعدة مهمة:
كل الجزاءات التي ذكرت في كتاب الله معلّقة بوصوفات، وعلى قدر تحقق الوصف؛ على قدر حصول الجزاء.
مثلاً: يخبر الله تعالى من وعوده أنه ينجي المؤمنين.
أين الوصف ؟ المؤمنين.
أين الجزاء ؟ النجاة.
فعلى قدر الإيمان تحصل النجاة، على قدر تحقّق الوصف، على قدر تحقّق الجزاء.
من الجزاءات أن يذكر الله الذاكر، يترتب على ماذا ؟ الذكر.
يعني: كن من الذاكرين يذكرك الله
نحن نقول على قدر الوصف يحصل الجزاء، يعني كلما كنت ذاكرًا أكثر، كعدد ؟! على ذلك أصبح الذاكرين لله سواء؟!
الجواب: لا، على حسب إحسانهم في الذكر.
كلما كنت ذاكرًا أحسن يأتي هنا الحسن
كيف يأتي الحسن في الذكر؟ على قدر تعلق القلب بالله, على قدر الإخلاص, ليس لي مقصد إلا أن يذكرني الله فيمن عنده.
على قدر ما تكون من الذاكرين، تكن من المذكورين عند الله, إذن الذاكرين لله ليسوا سواء, على حسب إحسانهم في الذكر, و على ذلك لا يتساوون أبدا, كلهم خير, فالذاكر خير من الساكت, لكن الذاكر مع ذاكر آخر عند المقارنة يتفاوتون حسب حسانهم في الذكر.
أناس مشتركين في أذكار الصباح والمساء ولا يتساوون في الجزاء، و أنا نفسي أحيانًا أقول الذكر وأنا جامعة قلبي، وأحيانًا وقلبي منفلت عني، وأحيانًا في المجلس الواحد!
فأذكار الصباح و غيرها عندما تجمع قلبك يكون الجزاء أعظم, فالله سبحانه و تعالى يحاسبنا على حسب ما قام في قلوبنا, الله تعالى ينظر إلى قلوبنا و أعمالنا, أي إلى قلوبنا حال قيامنا بالأعمال, ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ)) رواه مسلم.
قبل أن ندخل في شرح تفصيلي عما سنختاره اليوم من أذكار بأمر الله تعالى، نذكر ثلاثة مفاهيم:
الأول: أن الذكر ناتج عن تعلق و تعظيم, وهما يأتيان من كثرة العلم عن الله تعالى.
إذن فالتعظيم والتعلق ثمرة العلم عن الله, عن أسمائه و صفاته.
الثاني: أن الذكر مؤثر على قلب الشخص؛ بسبب زيادة التعلق وزيادة التعظيم, فكلما كان العبد ذاكرًا لله؛ كلما كان قلبه معلّقا بالله, وكلما كان القلب متعلقًا بالله؛ كلما ازداد لله ذكرًا.
الثالث: أن الجزاءات المترتبة على الذكر على قدر إحسانك.
فلنضرب مثال من نفس الأذكار ونرى هل الناس فيه سواء.
مثال: سيد الاستغفار نطبق عليه المفهوم الثالث ((وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّة...)) رواه البخاري
الجزاء المترتب عليه : ((وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ... فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّة...)).
مفتاح الكلام : مُوقِنًا .
الشرط : مُوقِنًا بِهَا .
فالناس قد يختلفوا في درجة اليقين، فممكن أحد يكون له سيد الاستغفار سببا أن لا يدخل النار أبدًا، و ممكن يكون أن لا يقف حتى عند الحساب، و ممكن يخرجه من النار بعد دخوله إليها، كلهم ينطبق عليهم كلمة ((دخل الجنة)) لكن يختلفوا على حسب يقينهم بما هو موجود في الذكر.
ونذكر: الذاكر خيرًا من تارك الذكر، ولكن الذاكرين متفاوتين، وأهم ما في الإحسان أن لا تذكر إلا قاصدًا رضا الله فقط.
هل يترتب على الأذكار في السنة مصالح ؟
مثل قول: ((بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) رواه الترمذي وأبو داود وصححه الألباني، فلا يضره شيء, ماذا أفعل بهذه المصلحة؟ هل أتركها وأهملها؟
((لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ)) هذا جزاء مرتب عليه, ولكي تكون محسنًا يجب أن تذكر الله من أجل رضاه تعالى, فهل هناك تعارض بين المفاهيم الثاني و الثالث؟
نقول: لا بأس بالمصالح التابعة, أنت أذكر الذكر وهذه المصلحة التابعة ستأتي ولا بد.
قاعدة: لو أن الأذكار رتب عليها مصالح -بالنص- فلا بأس بالمصالح التابعة.
ماذا يعني ذلك ؟
هناك شيء اسمه مصالح أصلية, ومصالح تابعة, المصالح الأصلية: هي المصالح الأخروية, مثل: ((دخل الجنة)), و المصالح التابعة: ((لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ)) تتحقق بالدنيا.
فالذاكر يذكر الله طلبًا لرضاه, وحصول المصلحة التابعة سيحصل في جميع الأحوال, فعند قولي -مثلاً- ((بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ.. )) يكون الذكر في قلبي, والمصلحة التابعة تأتي ولابد
.
1- فالأصل أن نقول الأذكار لنكتب عند الله من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات، وأن أحصل على المصالح الأصلية، كدخول الجنة والنجاة من النار, والمصالح التابعة تأتي ولابد.
2- على حسب قوة التفات القلب لله, أي يكون في القلب ثقة بتحقق الوعد, فالله سبحانه لا يخلف الميعاد.
ماذا أفعل في قلبي من أجل أن أكون من الممدوحين؟
أذكر الله من أجل أن أكون من الذاكرين عنده, والمصالح التابعة تأتي, وأتيقن بتحقيق الوعد, أنظر له بيقين تام أنه وعد من عند الله؛ لأنه قد يقع في القلب شك، فمادام الحديث صحيحًا لا ينبغي أن يقع بالقلب نوع من الشك.
مثل حديث الاستغفار نقول:
أولاً: الحديث صحيح.
ثانيًا: لا يوفق إلى هذا إلا من كان صادقًا.
3 - والحديث فيه شرط, من حققه حصل على الجزاء المذكور, إذًا لا مشكلة على الأجور المترتبة.
فمقصدك أن تكون من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات، فهل في القلب مصلحة أرجى من أن يكون الله تعالى ذاكرًا لنا؟!
لا مصلحة أرجى من ذلك، فيجب أن أجمع قلبي على ذكر الله, ولا أشتت نفسي, فكلما ازددت يقينًا بما تقول وجمعت قلبك على الله, كلما ازدادت المصلحة المترتبة التابعة للذكر, فتفكيرك منصرف على تعظيم الرب والثناء عليه, فمادام القلب معلقًا بالله وتعظيمه ومعيّته, وأنه تعالى مالك الملك, الذي يملك الضر والنفع, فبالتأكيد لن يضرّ العبد شيء, فعلى قدر تحققي بالوصف يأتيني الوعد, {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَاد} .
كيف يدفع الله عني الضر ؟
بيقيني أن الله تعالى مالك الملك، الذي يملك الضر والنفع ..
لما أقوله وأنا معتقد متيقن، فسأقول أن الله تعالى مادام وعد عباده القائلين لهذا الذكر بهذا الوعد، فهذا وعد الله ولا يخلف الله وعده، مادام وعد عباده بهذا الوعد لابد أن يحقق وعده، وهذا الكلام مهم جدًّا؛ لأنّ الناس عند الأذكار لا يفكرون بها إلا على أنها مجرد تحصين!
وأحيانا يأتي شخص ويقول الذكر, ولا تأتيه المصلحة التابعة التي أرادها, فيقول: هاأنا ذا قد قلت ولم يحصل!
نقول له: هو ليس سحر، ولكن على حسب ما قام في قلبك من استشعار أن الله هو الذي يدفع الضر ويجلب النفع, حيث هناك مصلحة كبرى, وأخرى تابعة, هو يترك المصلحة الكبرى، ويريد المصلحة التابعة, وبينما يجب أن ينصرف تفكيره إلى أن الله سبحانه هو مالك الملك, والمصلحة الأصلية أن تكون من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات, فعلى قدر التفات قلبي للمصلحة الأصلية, على قدر تحقق المصلحة التابعة.
دين الله رأس مالي, ولقاء الله تعالى أهم الهموم, يعيش الإنسان يذكر كل شيء إلا الله!
أخراك هي أهم شيء, لقاء الله هو أهم الأمور, كيف تلقاه وأنت ما معك ما يجعلك عند الله من المقبولين؟! فالدنيا دار ممر, والآخرة دار المستقر.
الدنيا مزرعة, يجب أن أزرع فيها كما ينبغي؛ لأن البعض يذكر الأذكار على أنها حصن ولا يهتم بالمعاني, فالمقاصد العليا هي الأولى, فحضور القلب هو المقصد الأعلى.