ظلم المرأة.. وقسوة الرجل
د. حمد بن بكر العليان
اطلعت على تعليق الأخت فاطمة سعد الجوفان على ما كتبته الأخت غزيل العتيبي، حول عدد من القصص الإنسانية لسيدات مسلوبات الحقوق، وكون بعضهن ينتظرن الصدقات من الجمعيات الخيرية، وذلك في عدد جريدة "الرياض" رقم 14046وتاريخ 17ذي القعدة 1427ه.
كما اطلعت على ما نشرته الأستاذة شريفة الأسمري، حول حالات حرمان الأمهات من رؤية أبنائهن، والمنشور في جريدة "الرياض" رقم 14081وتاريخ 23ذي الحجة 1427ه.
ويحق للبعض أن يتعجب هل هناك فئة في مجتمعنا المسلم المحافظ تعاني الأمرين من تسلط فئة أخرى؟ الجواب: نعم وتلك الفئة هي فئة النساء عموماً، سواء كن مطلقات أو زوجات، وذلك لتسلط الرجل اللامحدود بلا رادع له. ولا يظن البعض أنني أدعو إلى السفور وإلى خروج المرأة لتطالب بحقوقها فهذا أمرٌ ليس وارداً ولا مطروحاً، ذلك أن حقوق المرأة معروفة مثبتة، ولكن هناك الحقيقة المرة التي يعيشها كثير من النساء من تسلط الرجال، وكون هؤلاء الرجال يدوسون تلك الحقوق ليس بأيديهم ومنكراتهم وتعديهم بل يدوسون تلك الحقوق بأرجلهم.
النساء شقائق الرجال حقيقة ثابتة، فللنساء حقوق وعليهن واجبات. وأكاد أجزم أن المرأة في مجتمعنا المسلم المحافظ تكاد تقوم بواجباتها كاملة، ومع ذلك تلقى الإهانات من رجال يكتبون ويقرأون، وبعضهم يتبوأ مناصب هامة.
ولنبدأ بتأكيد على ما نقول بالحديث عن العصمة.. فإذا كانت العصمة والقوامة في أيدي الرجال فهي بلاشك ليست شهادة براءة أو صك أحقية للرجل بأن يتعالى على امرأته ويضربها ويستهزئ بها، ويقلل قدرها.
كما أنها ليست حقا مطلقا تجعله بأن يغير زوجته أو يتخلى عنها تماماً كما يغير سيارته أو هندامه.
إن جعل الطلاق في يد رجل حق لا مرية فيه، فكيف يمارس هذا الحق في مجتمعنا المسلم المحافظ؟ إنها الحقيقة المرة التي يعيشها مجتمعنا. إن هذا الحق يمارس بعيداً عن توجيهات الإسلام وتعليمات القرآن.
كيف يحق لرجل عرفته شوارع مانيلا وغيرها من البلاد السياحية ثم يذهب إلى المحكمة بكل زهو وكبر وعلو ليدخل على القاضي قائلاً له (أبي صك طلاق) فلا يجد من المحكمة إلا الترحيب والموافقة فيقال له (تبي تطلق امرأتك؟) فيقول (نعم) وينتهي الموضوع لتتبلغ المرأة المسكينة بطلاقها من طرف ثالث ويذهب ذووها لمراجعة المحكمة لإخراج الصك لإكمال إجراءات بطاقة الأحوال.
إن تطليق المرأة ليس له أية تبعات أو مسؤوليات، أليست المرأة في النهاية هي التي تتحمل هذه التبعات والمسؤوليات؟
أما إذا كان لها صبية صغار فلا يكتفي هذا الرجل بالإحسان إليها بل سوف يتولى أخذهم من بين أيديها، وعدم إرجاعهم إليها ليدخل ذوو المرأة في مشوار آخر من مراجعة المحاكم لإقناع السيد الكبير (الرجل) بالحضور إلى المحكمة. وفي كل مرة يرفض أو لا يحضر ويبقى سنين لينتهي بصك فيه رجاء وطلب من هذا الرجل بأن يمنّ على مطلقته برؤية أبنائها.
أليس هذا من الظلم الذي يمارسه الرجال في مجتمع مسلم محافظ مع أن حق الحضانة محفوظ ومقر. فلماذا نسمح لمثل هذه النوعية من الرجال الذين يتطاولون على الحقوق ويدوسونها بأقدامهم ويجدون من المحاكم الاحترام والتقدير؟
مظهر آخر من مظاهر المرأة في مجتمعنا فهي عند بعضنا تنادى ب (هيش) و(الأهل الله يكرمك) أو أهل البيت. بدل أن يقول عنها أم فلان أو زوجتي، ويجد بعضهم غضاضة بأن يسميها باسمها، وكأن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يقل لمن قابله عن زوجته (إنها صفية).
أليس من الظلم أن يتعالى البعض عن مجرد ذكر اسم زوجته وإذا كان هذا مسلك من لم يؤت حظاً من التعليم أو لم يتل من المناصب الدنيوية مكانة.
إنه من المؤسف حقاً أن تجد التعالي عن ذكر اسم الزوجة أو مجرد الثناء عليها ينطبق على كثير من أولي الحكمة، وبعض ممن تجده مصلياً ولطريق الخير متبعاً فإن تعلق الأمر بالمرأة فهو شخص آخر.
ألا تتفقون معي أن العلامة الفارقة للسعودي حين يمشي في السوق مع امرأته أن تجد مسافة كبيرة بينهما فإذا حدث أن لاقى زميلاً أو صديقاً فنجده يتصدد منه، وإن حدث مقابلة فتجده يقول لصديقه (للأسف أنا مشغول) ويستحي بأن يقول (مع أهلي أو أم فلان) لئلا يعلم صديقه بأن زوجته معه. ليس هذا إهانة! فلماذا تجعل هذه المسافة بينك وبين زوجتك في السوق أو في الطريق.
أليس من العجب أن تجد رجلاً هو سيد المجالس وهو صاحب النكتة والابتسامة العريضة أمام زملائه وأصحابه، فإن يدخل على زوجته المسكينة فإذا هو صامت لا يتحرك ينتقد بأسلوب عنجهي ويتكلم بلغة غير مفهومة ثم لا يكتفي بذلك بل يكيل الشتائم على زوجته ويسب أولاده أمامها، إنه من المؤسف أن تجد رجلاً بين زملائه ومعارفه هو الشهم صاحب الفزعات والمبادرات، وإذا تعلق الأمر بزوجته فهو لا يكلف نفسه أن يذهب بها إلى مستشفى أو يأخذ ولده إلى نزهة، بل إنه يستعيب على من يقوم بذلك ويعده نقصاً في رجولته. والأدهى من ذلك والأمرّ أن تجد رجلاً يتبجح في المجالس لأنه لم يسبق له إطلاقاً أن أخذ زوجته يوماً إلى السوق أو شاركها في نزهة أو رافقها في سيارة يتبجح بذلك لكونه رجلاً ذا حرية وأن المرأة لا تأمره أو أن امرأته لديها أبناء يقومون بذلك أو أنني وظفت سائقاً خاصا بها. فهي تقوم بذلك. وتجد ذلك الشخص أو الرجل يجالس امرأة في أحد الاجتماعات خارج بلاده ويصافحها وربما يقبلها وإذا نهي عن ذلك رد قائلاً: (نعلمهم سماحة بلادنا وديننا) مظهران متناقضان ليس لهما تفسير إلا تلك النظرة الفوقية التي ينظر بها الرجل إلى المرأة في مجتمعنا.
والدين منكر لهم، وبين هذا وذاك تبرز أصوات نشاز وتظهر أفكار قذرة تستغل تلك الأوضاع وتتعلق بتلك التصرفات ليس حباً للمرأة ولا تقديرا لها ولا هداية للرجل وتقويم تصرفاته، إنما تستغل ذلك لتحطيم ما بقي في المجتمع من محافظة وما في الناس من وعي وإدراك، ليختلط الحابل بالنابل، وعند ذلك يضيع المجتمع وتغرق سفينته. هذا هو واقع الحال بالرجال في مجتمعنا المسلم المحافظ.. جهل وتجاهل وعلو وصلف من جانب رجال لا يريدون أن يسعوا ويرفضون بأن يتكلم معهم بمثل هذا الموضوع أو عنهم يتخذون العقل سلماً لتصرفاتهم وتحليلات الدين ملجأ لأعمالهم، والعقل بريء منهم، والدين رافض لهم.