الحقيقة أن القرآن الكريم وضع قواعد واضحة للعائلة البشرية، وأعلن الإسلام أن الناس جميعاً خلقوا من نفس واحدة، وهذا يعني وحدة الأصل الإنساني، فقال الله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامَ إن الله كان عليكم رقيباً}(سورة النساء: [الآية: 1].) والناس جميعاً في نظر الإسلام هم أبناء هذه العائلة الإنسانية، وكلهم له الحق في العيش والكرامة دون استثناء أو تمييز، فالإنسان مكرم في نظر القرآن الكريم، دون النظر إلى دينه، أو لونه، أو جنسه، قال تعالى: {ولقد كرَّمنا بني آدم}(سورة الإسراء: [الآية: 70].) وما اختلاف البشرية في ألوانها، وأجناسها، ولغاتها، إلا آية من الآيات الدالة على عظيم قدرة الخالق تعالى، قال عز وجل: {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالِمين}( سورة الروم: [الآية: 22].).
وهذا الاختلاف لا يجوز أن يكون سبباً في التنافر والعداوة، بل بالعكس يجب أن يكون سبباً للتعارف والتلاقي على الخير والمصلحة المشتركة، فالله تعالى يقول: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا}(
عذرا تم تعطيل الرابط لحمايتك) وميزان التفاضل الذي وضعه القرآن الكريم، إنما هو ما يقدمه هذا الإنسان من خير للإنسانية كلها مع الإيمان الحق بالله تعالى، فالله يقول: {إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم}(سورة الحجرات: [الآية: 13].
النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة المنورة، كان فيها أتباعه من المسلمين، إضافة إلى بعض المشركين العرب، وقبائل يهودية،والمسيحية فأقام حلفاً مبنيّاً على التكافؤ والعدالة بين المسلمين واليهود، فلم يأت النبي صلى الله عليه وسلم ليمحو وجود اليهود من المدينة، وإنما اعترف بدينهم، وترك لهم حرية ممارسة شعائرهم، ولم يتعرض أبداً لشعائرهم، بل كان يدعوهم إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، حتى إنه ورد في أسباب نزول قوله تعالى: {لا إكراه في الدين}(سورة البقرة: [الآية: 256].) أن بعض المسلمين كان لهم أولاد يدينون بالديانة اليهودية، فأرادوا أن يجبروا أولادهم على ترك اليهودية واعتناق الإسلام، فنهاهم الله في هذه الآية عن ذلك.
وعندما حارب النبي صلى الله عليه وسلم اليهود لم يحاربهم بسبب الاختلاف معهم في الدين، وإنما كان سبب الحرب معهم هو نقضهم للمعاهدات التي كانت بينهم وبين المسلمين، إضافة إلى سعيهم الدائم لتأليب العرب والمشركين ضد النبي والإسلام، فالحرب كانت دفاعية وقائية بالدرجة الأولى، ولما توسعت رقعة الدولة الإسلامية زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان هناك مجموعة كبيرة من القبائل المسيحية العربية وبخاصة في نجران، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن أقام معهم المعاهدات التي تؤمن لهم حرية المعتقد، وممارسة الشعائر، وصون أماكن العبادة، إضافة إلى ضمان حرية الفكر والتعلم، فلقد جاء في معاهدة النبي لأهل نجران: ((ولا يغير أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته ولا كاهن من كهانته وليس عليه دنية)) وكان لهؤلاء ولغيرهم الحرية التامة في التنقل والحركة وممارسة أي نوع من أنواع التجارة والنشاطات الاجتماعية، فهذه هي الأسس التي قام عليها التعايش بين المسلمين الأوائل مع غيرهم.
اسفة على الاطالة ومشكورة على طرحك لهذا الموضوع
ودمتي في حفظ الرحمن