الفصلالسادس عشر:
قال المفتشليبلان:
- لاشك فيانهم غادروا افريقيا بالطائره ..
فردجيسوب:
- ليسالأمر مؤكدا ..
- ولكنالاحتمالات كلها تشير إلى هذا .. إننا جميعا نعرف الجهة التي يقصدونها ..
- وهذاايضا امر غير مؤكد .. فإذا كانوا قاصدين هذه الجهه .. فما الذي يجعلهم يتكبدون مشقةالسفر اولا إلى إفريقيا .. وبعد ذلك يسافرون إلى تلك الجهه ؟ إن من الأسهل عليهم انيسافروا إليها رأسا من اوروبا..
- هذا صحيح .. ولكن لعلهم فعلوا هذا ليضللوا كل من يحاول ان يتعقب اثرهم .. إذ لن يخطر لأحد انافريقيا هي مقر الاجتماع ..
بيد انجيسوب ظل متشبثا برأيه .. فقال:
- إننياعتقد ان في الأمر سرا خفيا .. فالمطار صغير الحجم .. لا يتسع إلا لطائره صغيره .. إذا عبروا بها البحر الأبيض فقد استهدفوا لمخاطر لا داعي ان يعرضوا انفسهم لها .. وفضلا عن ذلك فلا بد ان يهبطوا في اكثر من مطار ليتزودوا بالبنزين .. وفي هذامايسترعي الأنظار إليهم فينكشف امرهم ..
كلاياعزيزي ليبلان .. إنني اعتقد انهم لم يبرحوا افريقيا ..
فقالليبلان:
- ولكننالم ندع مكانا إلا فتشناه ..
- إنناافترضنا انهم سيعبرون البحر الأبيض .. ولذلك اتجهت ابحاثنا ناحية الجنوب .. فلم لانعكس الأمر ونمد بحثنا إلى الشمال؟!
- ولكنماعسى ان تكون وجهتهم ؟ ليس في الشمال إلا جبال شاهقه .. تمتد وراءها صحراء شاسعهبلا حدود ..
- من يدري؟ من يدري ؟
*****
قال الرجلاسمر الوجه الذي ينحدر من قبائل البربر ..
- إنكاقسمت ياسيدي ان تفي بوعدك ..
فرد عليهاندرو بيترز :
- بالتأكيدسأفي بوعدي ..
- وهلستكون مكافأتي محطة بنزين في امريكا؟ في شيكاغو ؟ هل انت متأكد؟
- إنيمتأكد يا محمد طالما استطعت ان تخرجنا من هنا ..
- إنالنجاح مرهون بإرادة الله ..
- إذن دعنانأمل ان تكون إرادة الله قد قضت لك بمحطة بنزين في شيكاغو .. ولكن لماذا شيكاغوبالذات؟!
- لأن شقيقزوجتي مقيم في امريكا ولديه محطة بنزين هناك .. ولا اريد ان اكون دونه مقاما .. لدينا هناك مال كثير وطعام وفير ونساء جميلات .. ولكن امريكا بلاد متحضره ..
- إنكبالتأكيد تدرك انهم إن عثروا علينا فإننا .........
قال محمدمقاطعا :
- إن عثرواعليكم فالموت جزائي .. ولكنهم لن يمسوكم انتم بسوء .. لأنهم في حاجه إليكم ..
ومع ذلكفإني لا اخاف الموت .. إن الموت مكتوب على البشر .. يأتيهم من حيث لا يدركون .. الموت هو قضاء الله ..
فقال بيترز :
- وهل وعيتتماما ما اريده منك؟
- نعم ياسيدي ... علي ان اصعد بك إلى السطح بعد هبوط الظلام .. وان اتيك بثياب مراكشيهمشابهه تماما للثياب التي ارتيدها انا والخدم ...
- تماما .. وإذا نجحنا فلك محطة البنزين الموعوده ..
******
في ذلكالمساء اقيمت حفلة ساهره دار فيها الرقص والشراب ساعات متواصله .. ورقص اندرو بيترزمع الانسه جينسون .. وكان يضمها على صدره في رقه وبدا انه كان يهمس في اذنها بكلماتناعمه ويناجيها .. فقد كانت نظراتها تشع احلاما من وراء زجاج نظارتها المزدوجالسميك .. وفي دورانهما حول القاعه مرا بهيلاري فغمز لها بيترز بعينيه خفية عنزميلته .. واشاحت هيلاري بنظرها بعيدا وقد قطبت بين عينيها باستياء ..
وقع بصرهيلاري على توم بيترتون وقد انتحى بتوركيل ايريكسون جانبا من القاعه .. وهمامنهمكان في الحديث ..
سمعتهيلاري صوتا إلى جانبها يقول :
- اتسمحينلي بهذه الرقصه يا اوليف؟
- يسعدنيان اراقصك يا سيمون ..
- ولكن يجبان انذرك انني لا اجيد الرقص ..
ابتسمت لههيلاري دون ان تعقب بكلمه ولكنها ركزت انتباهها طوال الوقت حتى لا يطأ قدميها .. وقال لها مارشيسون وانفاسه تتابع لاهثه :
- الرقص يحتاج إلى موالاةالتدريب .. ولكني بكل اسف لا ارقص إلا نادرا ..
ثم تطلعإليها وهي بين ذراعيه وقال:
- ما اجملهذا الفستان .. و ..
ادركتهيلاري على الفور انه لقن هذه العبارات دون شك من كتاب عتيق عن : ( كيف تتحدث وانتترقص )
فأجابت :
- يسرنيانه راقك ..
- إنكبالتأكيد اشتريته من قسم الملابس هنا..
كان هذامنه سؤالا سخيفا لا داعي له .. إذ من اين لها به إلا ان يكون من قسم الملابسهنا؟!!!!
واستطردمارشيسون بعد لحظات وقد اشتدت انفاسه انبهارا لفرط ما ادركه من التعب :
- إنهم هنايحسنون معاملتنا .. كنت اقول لبيانكا بالأمس ان كل شيء متوافر هنا .. الطعام جيدوفير .. والأجر ضخم مجز .. ولسنا مطالبين بشيء من الضرائب .. إننا في الحق نعيش هناحياة رائعه ..
- وهلتراها بيانكا حياة رائعه ؟!
- لقدخامرها شيء من الضيق في البدايه .. ولكنها مالبثت ان الفت الحياه هنا .. واخذت تشغلفراغها بالنشاط الاجتماعي .. وكانت تتمنى لو انك شاركتها نشاطها ..
- إنيامرأة منطويه على نفسي ولا يستهويني النشاط الاجتماعي ..
- هذا عجيب .. فإن المرأه العصريه ولعة بأن تشغل نفسها بأيشيء..
إنني لااجهل ان النساء اللاتي آثرن القدوم إلى هذا المكان من مثيلاتك انت وبيانكا اقدمنعلى تضحية جسيمه .. فأنت مثلا لست من العلماء ولا عمل لديك هنا .. وزوجك منشغل طوالالوقت .. غارق في معمله بين انابيب الاختبار .. وقد قلت لبيانكا ان اوليف قد تضيقفي البدايه بهذه الحياه ولكنها لن تلبث ان تألفها وتعتادها ..
انتزعها منخواطرها ان ظهر الدكتور نيلسون في صدر القاعه ولوح بيده فسكتت الموسيقى وكفالراقصون عن الرقص ..
قالالدكتور نيلسون يخاطب الحاضرين :
- أيهاالاصدقاء والزملاء .. إنكم ستضطرون غدا إلى ان تلزموا جناح الطوارئ ولا تخرجوا منه .. فهناك بعثه قادمه لزيارة المستشفى ..وليس لهم بالتأكيد ان يشاهدوا احدا منكم .. ولكن الامر لن يطول اكثر من 24 ساعه ففور انصرافهم تعودون إلى سابق حريتكم .. وتتجولون في ارجاء المكان كما تشاءون ..
على اثرهذه الكلمات انسحب من القاعه وعادت الموسيقى إلى عزفها وبدأ الحاضرون يرقصون .. ومال بيترز إلى هيلاري يقول :
- إذن فغداسنحبس في سجن خاص كأنما لا يكفينا هذا السجن الذي نعيش فيه ..
*****
في صباحاليوم التالي دوى جرس الإنذار فهرعوا جميعا إلى قاعة المحاضرات ومن هناك تولتالآنسه جينسون إرشادهم إلى جناح الطوارئ ..
مشت بهم فيدهاليز متعرجه لا تنتهي وكان بيترز يسير متأبطا ذراع هيلاري وقد اخفى في يده بوصلهصغيره
وقال لها :
- هذهالبوصله قد تهدينا إلى الطريق فيما بعد حين تدعو الحاجه ..
وانتهواإلى دهليز توقفوا فيه .. وضغطت الانسه جينسون على زر في الجدار فدار الجدار حولنفسه وكشف عن فجوه كبيره نفذوا من خلالها إلى جناح الطوارئ ..
اخرج بيترزعلبة سجائره المصنوعة من غلاف قنبله وتناول منها سيجاره وقبل ان يشعلها ارتفع صوتالدكتور نيلسون قائلا :
- إنالتدخين ممنوع ايها الاصدقاء ..
فقال بيترزمعتذرا :
- اسف ..
واعادالسيجاره إلى علبته ولكنه لم يعد العلبه إلى جيبه .. بل استبقاها في يده .. ودخلواإلى قاعة فسيحه صفت الاسره في ركنين منها .. ركن للرجال وآخر للنساء .. وفي ركنثالث وضعت مائده كبيره وحولها المقاعد .. كما كان هناك مشرب كبير في الركن الرابعاما وسط القاعه فشغلته المقاعد والفوتيهات ..
وقالتجينسون تخاطب الحاضرين:
- ستجدونهنا كل ماتحتاجون إليه من شراب وطعام .. ولكن المقام لن يطول بكم في هذا المكان .. فما إن تنصرف البعثه حتى يباح لكم الخروج ..
***
كانتالقاعه بلا نوافذ ولكنها كانت مزوده بأجهزة التكييف كما كان بها رفوف تكدست فوقهاالكتب لمن يحبون القراءه ..
مال بيترزإلى هيلاري وهو يقول هامسا ..
- الجدرانصماء بلا نوافذ حتى لا يفطن احد في الخارج إلى ان في هذا الموقع قاعه فيها علماء منالذين اختفوا من كل ارجاء الدنيا ..
انقضىالنهار في هدوء وسلام وأمضى الحاضرون وقتهم في القراءة او الكتابه او لعب الورق اوالحديث ..
واخيراحانت ساعة النوم فنهضت هيلاري واقفه وحيت من معها معتذره بأنها تريد ان تأوي إلىفراشها ..
إلا انهاما إن مشت عبر القاعة بضع خطوات حتى لمست يد ذراعها فاستدارت ورأت إزاءها عربيااسمر الوجه يرتدي تلك الثياب المزركشه التي يلبسها الخدم وقال لها الرجل :
- ارجو انتأتي معي يا سيدتي ..
- آتي ؟ولكن إلى أين؟
- أرجو انتتبعيني يا سيدتي ..
تسمرتمكانها برهة متردده .. وللمرة الثانيه احست بيد الرجل على ذراعها وهو يقول مكررا :
- ارجو انتتبعيني يا سيدتي ..
ورأت انهلا مناص من الإذعان فمشت وراء الرجل بضع خطوات ثم استدارت تتطلع إلى ما وراءها ..
رأت بيترزيتابعها بنظراته وكأنما يريد ان يلحق بها ..
مشى بهاالرجل إلى باب سري في ركن القاعه وفتحه بمفتاح صغير في جيبه ثم خرج بها إلى دهليزقصير وفتح بابا اخر انكشف عن مصعد مخبأ في الجدار ودعاها إلى الدخول ..
فقالت لههيلاري والمصعد يشق بهما الطريق إلى اعلى :
- ولكن إلىاين تذهب بي ؟
فأجاب :
- إلىالسيد يا سيدتي وهذا شرف عظيم ..
- اتقصدالمدير ؟
- لا .. بلالسيد نفسه يا سيدتي ..
توقفالمصعد فخرجت منه هيلاري في اعقاب الدليل .. فاجتاز بها ردهة فرشت بالسجاد ثم فتحبابا في صدر الردهه ودعاها إلى الدخول ..
كانتالغرفه مؤثثه على الطراز الشرقي صفت بها الأرائك المنقوشه ووضعت فوقها الوسائد .. وهناك على اريكه في صدر القاعه كان رجل جالس يدخن في هدوء ..
تطلعت إلىوجه الرجل ثم فغرت عينيها في دهشه .. فما كان هذا الرجل إلا المليونير اليوناني : السيد أريستيد ..