دلف إلى داخل الغرفة المظلمة كمن يلتجئ إلى مثواه الوحيد، لطالما أحب ظلامها، إنه يحب فكرة أن وجهه غير
مرئيٍّ وإن كان وحده، ومن يعرفونه يقدرون بأنه ثاني أوسم رجلٍ عاش في هذا القرن، ولكنه واثقٌ بأنه أتعسهم
على مرّ الأزمنة والقرون، وربما كانت تعاسته أول ما ترتب على وسامته النادرة، لذا فهي مرتبطةٌ بها ارتباطًا وثيقًا،
تمنى معه لو كان يملكُ وجهًا عاديُّا أو حتى قبيحًا، فلن يكون حاله أسوأ مما هو عليه الآن.

لقد ألِف كل تلك التعابير التي يراها يوميًّا في عيون الناس، كلهم هكذا، يقفون منبهرين محدقين لعدة ثوانٍ ثم يصرفون
أبصارهم ويديرون ظهورهم بجفاءٍ حالما يفيقون من سكرتهم، فينصرفون متمتمين بكلماتٍ تشي بالبغضاء والاحتقار.

وأصدقاءه المقربون ممن يعرفونه جيدًا، دائمًا ما يواسيه أحدهم قائلًا: الجمال جمال الروح يا عزيزي، عليك أن تثبت هذا
لكل الناس. فيجن جنونه حيث إن تلك الحكمة القديمة تقال عادةً لمن حرموا نعمة الجمال، وعلى الرغم من ذلك فإنه
يدرك أن تلك المقولة حين تقال له فلا مانع من أنها في مكانها الصحيح أيضًا، ولكن من يقول ذلك للناس؟ لا يمكنه أن
يتحدث أمام كل من هب ودبّ ليثبت أنه ليس شخصًا سيئًا.

وفي غمرةِ تفكيره، لاحظ ضوءًا خافتًا تسلّل من الشّارع إلى نافذةِ الغرفةِ ليسقط على الحائط أمامه، وراح يتنقل في
صمتٍ حتى وقع على صورةٍ كبيرةٍ معلقةٍ على الحائط في إطارٍ مهيب، ليبرز ذلك الوجه في الصورة، ذلك الوجه الذي
كان ينضح بهاءًا وجمالًا غير عاديّ، فيما يشي بالبطش والغدر والخيلاء، وجه جدّه الأكبر الديكتاتور الغاشم الذي عذّب
النّاس سنينًا من الزّمان، كانت أحلك وأطول أيّام حياتهم، ذلك الرجل الذي أورث حفيده نسخةً طبق الأصل من ملامحه
كما أورثه ماضيًا مخجلًا -لم يعشه حتى- لكنه لازمه طوال عمره، فعاش لا يد له في خطف أنظار الناس ولا في صرف
قلوبهم عنه، وأضحى يعيش بين ظهرانيهم يحمل في قسمات وجهه الجذاب ذكرى حقبةٍ بأكملها، تحكي قصص الذل
والطغيان، وصار بذلك ثاني أوسم رجلٍ في ذلك القرن، وأوسم وأتعس رجلٍ على الإطلاق.