المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صحة المراهق


bent cute
20-06-2007, 07:09 PM
لمراهق .. وعالم الصداقة

الصداقة عالم زاخر بالخبرات والتجارب ، وأياً تكن النجاحات والخيبات في اختيار الصديق فإن وجوده يصبح ضرورة لا بد منها وليس أصدقاء المراهق هم الكبار فقط ، وإنما الأتراب والأصدقاء وزملاء الدراسة . ومع دخول الفتى المرحلة المتوسطة من التعليم فإن علاقته مع الآخرين تزداد وتتوسع وتتعقد ، سواء أكانوا أكبر منه سناً أو أصغر ، ويتصف المراهقون بالمقارنة مع تلاميذ المرحلة الابتدائية بسعيهم إلى الاختلاط مع الأصدقاء أكثر فأكثر : إذ يصعب حصرهم في هذه المرحلة ضمن إطار العلاقة الأسروية الضيقة .
يحتل الأصدقاء موقعاً هاماً في حياة الفتى كفرد فيسعى جاهداً إلى اكتساب احترام أترابه واعترافهم به مستفيداً من نفوذه وهيبته بينهم . وبالمقابل تكون مطالب المجموعة من المراهق كثيرة بحيث لا يستطيع أخذ مكانته وفرض هيبته والحصول على احترامها إلا إذا استجاب لهذه المتطلبات . فالاختلاط مع الأتراب يحظى بقدر كبير من الأهمية فيما يتعلق بنمو شخصية المراهق ، إذ يجعل حياته أكثر تأثراً وإشباعا وغنى وجمالاً .
تقدم العلاقات مع الأتراب خبرة لا تعوض من خلال الاختلاط الاجتماعي الذي يغني تجربته في الحياة ضمن الجماعة .
المعروف أن هيبة الطفل ، في المرحلة الدراسية الدنيا ، تتحدد بين زملائه بشكل أساسي بتقييمات الأكبر سناً . وكقاعدة فإن الأكثر نفوذاً هو التلميذ المجتهد المجد الذي يحصل على علامات ممتازة والذي ينفذ دون تردد واجباته ومطالب الأهل والمدرسين . ولكن عندما يلج الطفل عتبة المراهقة فإن مجال استقلاله يتسع وتنمو عنده تجربة الاختلاط مع الناس وتتطور . وهذا ما يقود بالضرورة إلى حب الاستطلاع والتقصي والبحث في تصرفات وعلاقات الناس إذ لم تعد ملائمة له تلك الحاجات والعلاقات التي يكون فيها مرتبطاً وتابعاً لتقييمات الأكبر سناً . فضمن جماعة المراهقين يبدأ بالظهور أسلوب جديد من مقاييس تقييم سلوك وشخصية الفرد وينشأ تقييم ذاتي متميز ، وتتشكل أنماط جديدة للمتطلبات الأخلاقية – الأدبية التي يتوقعها المجموع من شخصية المراهق .
فما هي هذه المتطلبات ومن الذي يعتبر ذا هيبة و أهمية لدى المراهق ؟
لعل الكثيرين عايشوا هذا الموقف : في مرحلة الدراسة الابتدائية يتميز الطفل بالنشاط وسعة الاطلاع والسلوك الحسن ، باختصار : كان مثالاً يحتذى في كل شيء ، ولكنه بدءاً من الصف الرابع ، تغير فجأة بلا سبب أو تعليل . لقد تغير في نظر الآخرين ، ساءت علاقته مع أصدقائه وتلاشت حماسته المعهودة في الذهاب إلى المدرسة ، قصر في دروسه ، غدا لا مبالياً يتغيب عن حضور الدروس ويتصرف بفظاظة وبوقاحة أحياناً .
ما السر الكامن وراء هذه التغيرات المفاجئة ؟ ما السبب في أن القدوة سابقاً لم يستطع الحفاظ على مكانته وهيبته تجاه زملائه في الصف ؟
لقد أصبح الآن الاختلاط أكثر بين الفتيان وعظمت أهميته ، أصبحوا يعرفون بعضهم ، تفتحت أمامهم آفاق جديدة . أصبح بعضهم يعرف أكثر ، يطالع أكثر ، أصبح بعضهم يمتاز بفطنة ودهاء أكثر ، وآخر أصبح رياضياً أقدر .... فالهيبة السابقة قد انهارت وحلت مكانها هيبة جديدة و.في مرحلة المراهقة على وجه الخصوص تقف بحدة مسألة العلاقة مع الجماعة ، حيث تبرز بإلحاح أمام الفتى ضرورة تحديد موقعه داخلها والاستجابة لمتطلباتها . كثيراً ما يفكر المراهق في هذا الواقع الجديد . بتقليد زملائه مقتبساً منهم الجيد والردئ ، يحاول التواجد أكثر فيما بينهم ، يهتم بما يهتمون به ، يقرأ مثلهم ويرتاد الأماكن التي يرتادونها . وكقاعدة فإن أصدقاءه يبدون أذكى وأجمل وأمرح من الجميع ، وباختصار تبرز أمام المراهق " القدوة " الجديدة التي تحدد وتوجه سلوكه .
ومن خلال تفكيره بسلوك رفاقه لا تتراكم لديه جملة من المطالب تجاه سلوكهم ومزاياهم الشخصية فقط ، بل وتقف أمامه ضرورة تقييم سلوكه وعادته الشخصية . ينمي المراهق ، من خلال الاقتداء بسلوك الزملاء وتقليدهم ، في نفسه تلك الصفات التي يراها أترابه قيمة بشكل خاص .
والآن : ماذا يستهجن وماذا يستحسن المراهقون في سلوك رفاقهم ؟
إنهم يقدرون من جهة تلك المزايا التي تعكس الملامح الأخلاقية السامية عند المراهق . تلك المزايا المعنوية مثل المبدئية ، الإخلاص للعمل ، لطف المعاملة ، سلامة الطوية ومن جهة أخرى تلك الصفات التي تمس علاقة المراهق بالآخرين بشكل مباشر والتي تؤثر في هذه العلاقة .
لا يطيق المراهقون عموماً الخيلاء والغرور والإطراء المبالغ به ، والتباهي بالمزايا حتى ولو كانت صحيحة . ويرفضون بشدة مثل هذا السلوك الذي لا يتناسب ومفاهيم العلاقات الرفاقية .
وفي محيط المراهقين تمكن ملاحظة عدم استقرار وتقلب العلاقات ، وهو ما يعتبر نتيجة لطبيعة عالم الفتيان الداخلي ، الذي يتنامى باطراد في هذه المرحلة من العمر .
إن كل مراهق يهتم باحترام واعتراف أصدقائه ، وألا يكون الأخير بينهم ، وأن يعرف بأنهم يقدرونه ، ويأخذونه بالحسبان . ولا يمكن أن يتم تطور المراهق الطبيعي إلا من خلال الاختلاط بالأتراب والأصدقاء .
ومجموعة الأصدقاء هي ذاتها يمكن أن تكون السند الذي يعتمد عليه المربي في معالجة الأمور المعقدة لدى بعض المراهقين ، وذلك لما لهذه المجموعة من تأثير كبير على المراهق ، ولكن المربي ليس فقط المدرس ، وإنما نحن الأهل الذين يجب علينا أن نعي بأن مجموعة الأصدقاء يمكن أن تكون خير مساعدة لنا خاصة إذا كانت علاقتنا بهم قائمة على الثقة والاحترام المتبادل . فلقاءات الأهل وأحاديثهم مع أصدقاء ولدهم المراهق يمكن أن تسهم في رؤية مختلف جوانب حياته . ومن خلال ذلك يمكن أن نجذب المراهقين إلى الخوض في مناقشة المفاهيم الأخلاقية وتلقينهم القيم الرفيعة ، وسبل قبول هذه أو تلك من المفاهيم والحلول . لا يستطيع المراهق دوماً أن يؤمن لنفسه مكاناً ملائماً ضمن الجماعة ، إذ ليس ذلك بالأمر اليسير : فهذا لا يرى عيوبه ، وذاك يخجل من إظهار كفاءاته . وهنا بالذات تبدو مساعدة الأهل ضرورية جداً . ساعدوا المراهق على معرفة نفسه . أفهموه ما لديه من صفات جيدة ، كيف يمكن أن يكون مفيداً لزملائه وكيف يمكنه مساعدتهم ، علموه كيف يتجنب الهفوات والعيوب ، ساعدوه على فهم نفسه وكيف يبدو في نظر الآخرين .
لا تنظروا بلا مبالاة وعدم اكتراث إلى الخلافات والخصومات التي تنشب بين ابنكم وأصدقائه بل فتشوا عن دوافعها وأسبابها .
ضمن الأسرة بالذات تتشكل وتتكون أساليب التعامل تلك التي يتبعها المراهق في تعامله مع أصدقائه . فمقدرة المراهق على إيجاد لغة مشتركة مع زملائه وإظهار نفسه ضمن المجموعة إنما يتعلق إلى حد كبير بكم أنتم أيها الأهل .
في المجتمع االشرقي لا معنى للإنسان من دون الجماعة . ولكي يستطيع المراهق أن يجد لنفسه مكاناً في الحياة المستقبلية ، يجب عليه أن يستوعب تجربة العلاقات الجماعية بكل غناها أي أن يقرن رغباته ومصالحه برغبات ومصالح الجماعة ، أن يتعلم كيف يسعد لسعادة المجموع ويحزن لحزنه ، أن يسخر نشاطه لخدمة الأهداف المشتركة . والمراهق مستعد لذلك: فمن أهم صفاته ميله الشديد إلى الاختلاط بالجماعة وإلى العمل المشترك مع رفاقه . إن طموح المراهق هذا نحو الاختلاط والمشاركة يجب أن يجد طريقه السليم . أما دور الموجه فيجب أن يقوم به الإنسان الناضج الأكبر سناً . حب العمل الجماعي ميزة بارزة لدى المراهق ويجب خلق الظروف المناسبة لإظهاره حتى يصبح المحور في تكون شخصيته ، ودافعاً لتصرفاته وأفعاله وكافة علاقاته بالناس الآخرين .
– البحث عن صديق حقيقي : من المعروف أنه تنشأ ضمن كل جماعة علاقات اختيارية . فلا تقوم دوماً علاقات محبة ومودة بين جميع أفراد الجماعة . والشيء نفسه يمكن ملاحظته ضمن جماعة المراهقين أيضاً فعلاقاتهم بكل تأكيد اختيارية فردية .
يدخل الفتيان مرحلة المراهقة مع جملة مختلفة من التجارب والميول والقدرات ، ويحمل كل منهم جملة من الخصائص الفردية . وحتى هذه المرحلة من العمر تكون قد تراكمت لدى الطفل الملامح الأساسية لشخصيته ، فتختلف وتتأثر خلال النمو هذه أو تلك من العمليات السيكولوجية عند مختلف الأطفال : كالتفكير والذاكرة والإدراك والاستيعاب .. الخ .
إن الخصائص الفردية للطفل لا تتحدد فقط بميزات جهازه العصبي وطباعه .. . وإنما بظروف تطوره أيضاً . وبشكل مستقل عن الخصائص الفردية وميزة تطوره السابق تؤثر على المراهق جملة من العلاقات نسجها مع رفاقه وأترابه من خلال حياته ضمن الجماعة ، لكن اختيار الصديق الشخصي يبقى دوماً أمراً فردياً خاصاً . الصديق الحميم ضروري جداً للمراهق . والبحث عن هذا الصديق نقطة هامة في حياته حيث يحلل المراهق ويقوم تصرفات وسلوك وأفعال الناس ، وفي الصداقة تتكون تجربته الاجتماعية والمزايا القيمة مثل احترامه للإنسان ، اهتمامه بالآخرين ، استعداده للمساعدة وقت الشدة .. الخ .
تصبح علاقة المراهق بصديقه ناضجة أكثر فأكثر : إذ لا يرضيه فقط أن يكونا معاً . وأن يدرسا معاً وحتى أن تكون لهما هوايات مشتركة بل يطمح إلى أكثر من ذلك . تتكون لديه تجاه صديقه متطلبات إنسانية رفيعة . وإذا ما ترجمنا هذا إلى لغة الناضجين فإن أفكار ومشاعر المراهق هذه يمكن أن تبدو على الشكل التالي : " أن صديقي يجب أن يفهم ويدرك ويحس بي، بل أكثر من هذا : أن يكون كما لو أنه جزء مني " . وإليكم ما يقوله المراهقون عن الصديق الحقيقي : إنه يشارك في كل شيء ولا يخيب رجاءا أبداً ، يدافع عن الضعفاء ، يغيث عند الشدائد ولا يلقي بذنبه على الآخرين ، لا يغدر ولا يخون ، يقوم بعمله بإخلاص ، ليس بخيلاً ، بوسعه تقديم النصائح القيمة ، لا يخاصم من أجل تفاهات ، يحفظ السر ، صريح ، صديق يمكن الاعتماد عليه بالفعل .. الخ .
وهكذا نلاحظ أن الفتى يطلب من صديقه مطالب عدة . فالصديق يجب أن يكون شخصاً مثالياً يقتدي بكل ما هو جيد ، وعندما يتكلم عن صديقه هذا فإنه يتكلم بسرور وإعجاب . إليكم مثالاً لحديث الفتى عن صديقه : " هو شجاع ، حاذق ، يستطيع أن يفعل كل شيء . يقفز جيداً ، يلعب كرة سلة ، يقود دراجة ، يرمي ، وفي البيت يساعد والدته ، إنه دائماً يبتكر أشياء جديدة ، يتحدث بجدية ، معه أشعر بالاطمئنان ، ولا يكذب أبداً ، ولا يلقي بذنبه على الآخرين ، لا يخون أبداً وإذا وعد وفى بوعده ... " .
المراهق بريء بحدسه ، يرى الإمكانيات الكافية في صديقه ويثق به وبإمكانياته . والصديق يصبح بالنسبة للمراهق تلك القدوة الواضحة التي تساعده في تحديد مطالبه تجاه سلوكه نفسه ، فالبحث عن القدوة ، كثيراً ما يترافق والبحث عن الصديق وعندها فالتفكير بتصرفات ومزايا الأصدقاء ينقلب إلى التفكير عن : " كيف هو صديقي " إذا كان موجوداً ، أو كيف يجب أن يكون ، إذا لم يكن موجوداً بعد .
خلال بحثه عن الصديق يبذل المراهق كثيراَ من الجهد ويبدأ هذا البحث على شكل حلقات كما في حالة إلقاء حجر في الماء . يبحث المراهقون عما يرضي أفكارهم الوليدة ويتفق مع متطلباتهم الناشئة . وتبرز عبر هذا البحث الحماسة وخيبات الأمل ، تحترق وتنهار الآمال فالمراهق ينتقد بحدة تلك المزايا التي يراها منافية للقوانين الأخلاقية . وها كم أمثلة عن مثل هذه الأحكام الحادة لتلاميذ الصف الخامس : هو سيء ، دأبه الغدر بالآخرين ، يقف متفرجاً على ما يحدث ، يحث أصدقاءه على ارتكاب الحماقات " . أو مثل : " مغرور بنفسه ، ذو خيلاء ، يتعرض للصغار ، يؤذي الضعفاء " .
يفكر المراهق كثيراً في علاقاته بأصدقائه المقربين ، بالعلاقات المتبادلة بين الزملاء ، يحللها ويقيمها ، ويقلق إذا ما وجد في هذه العلاقات فقدان العدل ، واحتقار الكرامة الإنسانية . في علاقته مع الصديق يبحث عن التفاهم المتبادل والمشاركة في الأحاسيس وعن الصفاء الروحي ، ويثمن عالياً المساواة في الحقوق والإخلاص في الصداقة ، والتضامن ، أي تلك المتطلبات التي يرغب كل منهما توفرها في الآخر ، كما ويقدر المراهقون عالياً تلك المزايا والخصال التالية : عمق واتساع المعرفة وتنوع الاهتمامات والقوة واللياقة والكياسة والثبات والقدرة على التحمل .
من خلال الصداقات المعقودة بين المراهقين تتطور وتتهذب وتتحسن أفكارهم وقناعاتهم إلى درجة كبيرة . عند المراهقين في هذه المرحلة ثمة نماذج يقارنون بها أصدقاءهم وتكون هذه النماذج كقاعدة عامة متمتعة بكل ما هو جيد وعظيم مثال ذلك ، الشخصيات التاريخية وأبطال الثورات والمعارك والأدباء العظام . يكون هؤلاء العظماء الصورة السيكولوجية المنظورة التي يحاول المراهق تقليدها والاعتقاد بأنه يهتدي بها للوصول إلى هدفه .
لكن هل تحمل الصداقة إلى المراهق الجيد النافع دوماً وفي كل الأحوال ؟ وهل ينبغي تأييد وترسيخ أية صداقة كانت ؟ إن الأمثلة على قيمة الصداقة تختلف باختلاف مضمونها وقيمتها الاجتماعية فرغم أنها تلعب دوراً كبيراً في تكوين شخصية المراهق إلا أنها لا يمكن أن تقود دوماً إلى طريق الصواب .
فإذا كانت العلاقات في الصف أو في الحي غير موفقة ، أو إذا برز خلاف وحصل برود وجفاء في العلاقة قد يعمد المراهق في مثل هذه الحالة إلى إقامة صلات وعلاقات هامشية عابرة وفقط كي لا يبقى وحيداً في عزلة .
يحصل أحياناً أن يحرف " الصديق " ابنكم عن الطريق الصحيح ويؤثر عليه تأثيراً سيئاً دون أن يقدر على معارضته أو التخلص منه .
إن مثل هذه الصداقة تصبح على درجة كبيرة من الخطورة ، ويتفاقم تأثيرها إذا لم تكن علاقة المراهق مع والديه ومدرسيه أو المقربين إليه مرنة وسليمة . وفي مثل هذه الحالة تصبح الفظاظة التي يلحظها لدى أصدقائه الجدد شكلاً من أشكال الرفض في علاقته مع الأكبر سناً ! في مثل هذه الحالة ، يجب وقبل كل شيء نزع القناع السلبي الانفعالي الذي يغلف هذه العلاقة : إذ يمكن مثلاً العثور على العمل الذي يشغل ويجذب اهتمام المراهق . فهذا المسلك يهيء لكم الأرضية التي يمكن من خلالها إعادة ربط جسور العلاقة ، وبالتالي إزالة التوتر الانفعالي الذي يمكن إذا ما تفاقم أن يقود إلى النزاعات والمشاحنات . ويجب ، وبحذر شديد ، اختيار وسائل التأثير المباشر على علاقات الصداقة عند المراهقين . فلا يجدر في مثل هذه الحالات اللجوء إلى طريقة المنع المباشر لأن نتائجه غالباً ما تكون عكسية . فتتوثق الصداقة غير المرغوب فيها ، تنتقل إلى الخفاء وتصبح سرية وبالتالي تصبح أكثر خطورة ويفقد الأهل كل إمكانية لمراقبة هذه العلاقة . فتنمو بعيداً وتقود في النهاية إلى نتائج مؤسفة . من الممكن أن يكون الأسلوب الآخر أكثر فائدة ونجاعة ، أسلوب دعوة المراهق إلى " صراع " مفتوح ، حول تصرفات معينة من تصرفات هذا الصديق . كأن نبين له كيف تنقلب الشجاعة التي يتبجح بها ، في بعض الحالات ، إلى جبن والاستقلالية إلى وقاحة وفظاظة ، أما بطولته فترتكز إلى عدم احترام الآخرين والاستهتار بإنسانيتهم .
إن مثل هذه المناظرات والمناقشات يفضل أن تكون قصيرة ، وأن يحصر النقاش بصديق واحد محدد ، وهنا نحدد اختلاف هذا المراهق بالذات عن الشبان والفتيان المنحرفين بشكل عام : إذ من الضروري جداً تحطيم صورة هذه " القدوة " وتحجيم هذا المعبود بالذات ! ولا تأملوا أن يتم مثل هذا الأمر بسهولة وسرعة بل ان هذا المسعى يتطلب منكم جهوداً أكثر من مجرد النصح والنهي ، ولكن نتائجه ستكون أفضل بالتأكيد .
لكن ينبغي الانتباه إلى أن هذا المسمى بالصديق الخطر ، كثيراً ما يكون عاجزاً عن تقييم تصرفاته بنفسه إذ يكون سلوكه ناجم عن وجود ثغرات في تربيته الروحية والأدبية والأخلاقية . وتدل دراسة سلوك المراهقين المشاكسين على أن هذه المشاكسة غالباً ما تكون وليدة عدم تمكنهم من إيجاد مكان لهم بين مجموعة الأصدقاء ونتيجة لعلاقات الصداقة الفاشلة : إن المراهقين يتعايشون ، بقلق ، مع حالات الخصومة والخلافات مع الأصدقاء ، والخشية أن ينبذه أترابه تصبح بالنسبة إليه مصدراً للقلق ، بل وغالباً ما تدفعه إلى تصرفات طائشة وهي لا تنم في الغالب عن حقيقة طباعه ، لكنها كفيلة ، من وجهة نظره ، برفع شأنه ومكانته في عيون رفاقه !! .
إن صداقة المراهق ظاهرة ودية عميقة وتشكل جزءاً أساسياً من عالمه الروحي . لذا تتطلب من المربي اهتماماً خاصاً : " إن المحافظة على صفاء وحرمة العالم الروحي للمراهق واحدة من أهم مسائل التربية فإذا ما تدخل أحد ما في ما يفكر به وما يمارسه وما يسعى لإخفائه عن أعين الغرباء " فإن حساسيته تضعف وتنحدر وتغلظ روحه فلا يؤثر فيه شيء فيما بعد ويصبح أخيراً فظاً انفعالياً . فإذا رغبتم في أن يظل المراهق محتاجاً إلى مساعدتكم ، وأن يبقى على استعداد دوماً ليفتح لكم صدره ويكشف عن مكنوناته، حافظوا على تلك الجوانب من عالمه الروحي التي تحسون أن المساس بها أمر مؤذ .
إن احترام شخصية الربيب تقود إلى اتساع مجال الإخلاص والمودة والحرمة الشخصية . إن العلاقة بين الفتيان والفتيات تبدو واحدة من هذه " الجوانب الروحية الشخصية " . فمنذ سنوات المراهقة الأولى تتخذ العلاقة بين الفتيان والفتيات شكلاً انفعالياً متميزاً وينشأ أول اهتمام بعضهم بالبعض الآخر ، وأول الحنو والود .
في مرحلة المراهقة المبكرة تتخذ العلاقة بين الفتيان والفتيات صبغة عاطفية متميزة تبرز اهتمام بعضهم بالآخر وأحاسيس المودة والتعاطف وتتجلى هذه المشاعر والأحاسيس الأولى بشكل مختلف لدى المراهقين المختلفين . بعض الفتيان يخجل من مصادقة الفتيات ، يحاول الابتعاد عنهن وعن إقامة علاقة معهن ، في حين يعمد بعض آخر إلى توطيد علاقات الصداقة والود معهن بصراحة .
يقول علماء النفس أنه تتفاوت بشكل ملموس علاقات الفتيان والفتيات بعضهم بالآخر في المرحلة الأولى من المراهقة ، تنضج الفتيات قبل الفتيان ويفصحن بصراحة أكبر عن مشاعر الود والصداقة إزاء الفتيان في هذه المرحلة . ومع تقدم العمر يزداد الاهتمام المتبادل ونوعية العلاقة بين الطرفين ، ويظهر الفرق أوضح بين مستوى نضوج كل منهما . فالفتيات ، نتيجة لنموهن الفيزيولوجي - النفسي المبكر ،يبتعدن عن الفتيان زملائهم في الصف . وحسب تعبير " كون " : فإن الأتراب سيكولوجياً ، من الجنسين ، ليسوا من ذوي العمر الواحد ، بل يكون الفتى عادة أكبر بحدود عام ونصف إلى عامين كي ينسجم سيكولوجياً مع الفتاة .
تنشأ الصداقة بين الجنسين في مجتمعاتنا الشرقية بطرق عدة ، لكنها غالباً ما تكون بالتعرف عرضاً أمام بيت صديق ، أو إحدى قريباته ، أو داخل العائلة الأكبر ، كابنة العم أو الخال ، وهي عادة تتسم بالإسقاط على الآخر ضمن حاجة وفضول التعرف إلى ما يفكر به الجنس الآخر .
فتنشأ وتتوطد روابط الصداقة والتفاهم والمشاعر المشتركة والتقارب العاطفي . وهذا بالطبع لا يمكن اعتباره حباً أو ولهاً ، ولكن يجب الانتباه إلى أنه في هذه المرحلة من العمر تحدث تحولات هامة في تطور الإنسان فيزيولوجياً : إنها مرحلة النضوج الجنسي : وإن النضوج الجنسي يزيد علاقة المراهق مع نفسه ومع الآخرين حدة وتوتراً ويقوي استيعابه لأساليب الكبار في الاختلاط وتأخذ العلاقة ما بين الفتى والفتاة بالتشكل وفق ( وصفات ) مقتبسة عن الكبار وتظهر كتابات الغرام واللقاءات والأسرار وعند الكبار منهم الرغبة في قضاء أوقات مشتركة .
إن محتوى علاقات المراهقين هذه ، والتي غالباَ ينتقدها الكبار ، وهو شعور الود والحنان والاهتمام الواضح بالجنس الآخر والارتباط القائم على الصداقة . وحسب رأي الحب الأول لا يعدو أن يكون شغفاً ، أما مستقبل هذه العلاقة فإن الكبار أنفسهم هم الذين يحددونه : فإما أن يستخفوا بهذه الصداقة ، وإما أن يقفوا منها موقف الرفض . وكلا الموقفين يثير الرفض الاستنكار من قبل المراهقين . فالتهديد والتقريع والمنع يمكن أن تؤدي بهذه الصداقة من شكلها العلني إلى شكلها السري ، وبالتالي تتغير طبيعة العلاقة من صداقة إلى علاقة جنسية . وتجدر الإشارة إلى أن النضوج الجنسي يخلق نزعة قوية وإن تكن غير ملحوظة أحياناً في كافة حركات وانفعالات المراهق .
إن العلاقة المتبادلة بين الجنسين ، مسألة على قدر كبير من الأهمية حياتياً واجتماعياً . وهكذا نصل إلى هذه النتيجة : إن الخصائص الأساسية لعمر المراهقة ترتبط بظهور مستوى جديد من الوعي الذاتي . فمن الضروري أن يعرف المراهق نفسه ويقدر إمكانياته ونجاحه وفشله وأن يعي علاقاته مع أترابه الأكبر سناً . فالصعوبات التي يعانيها المراهق غالباً ما تحدد شكل شخصيته : فعند البعض تبدو ظاهرة عدم الثقة بالنفس والتأثر المفرط . وعند آخر أيضاً تبدو إمكانية التأقلم والتكيف مع المحيطين به . ونجد آخر أيضاً يفتقر إلى القدرة على إيجاد لغة مشتركة مع أصدقائه ، فينغلق على نفسه ، ويبحث عن مناخ ملائم للاختلاط خارج نطاق الأسرة أو المدرسة مستنداً إلى قواعد مرتجلة في بناء مثل هذه العلاقات . كما أن كثيراً من المراهقين يوفقون باجتياز عثرات ومصاعب هذه المرحلة فيتطور نموهم بتناسق وبدون مشاكل .
تبدو العوامل التي تتشكل بموجبها شخصية المراهق للوهلة الأولى مرتبطة ومتوقفة على ظروف طارئة وعرضية ، وللحيلولة دون حدوث هذه الظروف الطارئة أو لمواجهتها تنتصب قامة السند " الكبير " دائماً .
ليس من النادر أن يظهر مراهقون مشاكسون ضمن الأسر التي تبدو لأول وهلة طبيعية وخالية من الاشكالات . فإذا نظرنا إلى هذه الأسس " الجيدة " عن قرب يمكن ملاحظة أنها ليست بلا عيوب أو هفوات ، وغالباً ما يمكن ملاحظة هذا الإخفاق في العلاقة المتبادلة بين الأهل والطفل . فهنا بالذات تم التفريط بالوقت اللازم لإيجاد لغة التفاهم وإحياء الاتصال واعتماد موقف لا مندوحة عنه يسمح للأهل بمساعدة ولدهم لبلوغ سن الرشد . إن اختيار هذا الموقف ممكن فقط عند المشاركة الفعالة ، وأكثر من هذا عند مساهمة الكبير في حياة الطفل .
وتجدر الإشارة إلى أن المراهقين يرغبون في نيل حقوقهم كما الكبار ، وهم مستعدون لذلك . فإذا ما أخذ الكبار هذا الأمر بعين الاعتبار فإن علاقتهم المتبادلة مع المراهقين تتطور بسلام ومن دون مضاعفات .إن هذا الأمر يتحقق عندما يشعر الكبير بضرورة احترام شخصية الابن . وهكذا تبدو الحاجة ملحة لأن تستجيب التغيرات التي تطرأ على العلاقة بين الكبير والمراهق للمتطلبات التي يحتاجها المراهق ، لا أن تكون هذه التغيرات مجرد جواب لهذه الحاجات ، أي على الكبير ألا ينتظر حتى يظهر المراهق مطالبه وحقوقه التي تمس تغير حدود هذه العلاقة وحدود الاستقلالية .. وإنما أن يبادر أولاً إلى نضجه وإمكانياته .
إن تغيير هذه العلاقة ، مع الأخذ بعين الاعتبار نزعة واتجاه تطور المراهق ومستوى النمو الذي حققه ، يعتبر أيضاً موقفاً نفسياً وأساسياً للكبير – إذا ما أراد أن يكون مربياً مرموقاً وقدوة لهذا الإنسان الفتى ومرشداً له على طريق النضوج .
فإذا ما بادر المراهق إلى هدم أطر العلاقات التي لا تناسبه قد يقوم الكبير باتخاذ موقف ما ، مما يؤدي إلى مشاحنات لا تحمد عقباها ، أبسط نتائجها التنابذ والتباعد وعدم التفاهم مما يفقد الكبير إمكانية توجيه وقيادة مرحلة تشكل شخصية المراهق . إن العلاقة القائمة على المشاحنات تقوي من نزعة الاستقلال عند المراهق والرغبة في الخروج من دائرة سيطرة الكبير ، وفي مثل هذه الحالة يكف المراهق عن تقييم إمكانياته بشكل صحيح .
يبدأ طموحه نحو الاستقلال باتخاذ شكل ممسوخ وطريق معوج .
وهكذا فإن مراقبة نزعات واتجاهات تطور المراهق ، وتبدل طبيعة العلاقة معه في الوقت المناسب والمقدرة على لعب دور الموجه القائد . يعتبر مدخلاً هاماً ومواتياً يحدد للكبير إمكانية التأثير على المراهق والمقدرة على تربيته تربية صحيحة . ترتبط حياة المراهق المستقبلية بشكل وثيق بطبيعة العلاقة القائمة الآن بينه وبين الكبار وبينه وبين زملائه وأترابه فهذه العلاقة هي التي تكون شخصيته .
إن الأخذ بيد المراهق حتى يغدو إنساناً راشداً لهي من أول مهام الوالدين .

ندى الأيام
28-06-2007, 11:31 AM
مشكورة بس اسفة الموضوع طويل وما قراته كله

m0on girl
28-06-2007, 04:06 PM
موضوع مفيـد،،
شكراً لكـٍ،،=]

("غنج نجد")
30-06-2007, 05:55 AM
ربي يعطيك العافيه ياغلاي...


لكِ مودتي...

LOVECITY
30-06-2007, 03:24 PM
رائعه ياغاليه

موضوع مهم

بارك الله فيك

وزلاحرمنا طيب تواجدك


ودمتي بحب
مدينة الحب