Šмilè
05-12-2008, 02:24 PM
http://www.kuwaitup.net/uploads/081201023405b89c8564.gif (http://www.kuwaitup.com/)
أن الدعوة إلى الله عز وجل عبادة وسنة وشريعة ربانية ماضية، لا يضرها أن يقبل الناس على الطاعة أو يدبروا عنها، أو أن يصيب الناس مد وجزر في إقبال أو إدبار عن دين الله جل وعلا، إذ إن وصية الله للأنبياء ولورثة الأنبياء وهم العلماء، ولمن ولاهم الله أمور المسلمين أن يقوموا على هذه الدعوة، عبادة، وحسبة، وامتثالاً لأمر الله عز وجل، وليسوا بمحاسبين ولا مسئولين عن النتائج المترتبة، إذ الهداية إلى الله عز وجل ليس للبشر منها إلا هداية الدلالة، وأما هداية التوفيق فمن الله وحده: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56].
http://www.kuwaitup.net/uploads/0812010135340722e473.gif (http://www.kuwaitup.com/)
هذه نبذه عن حياته كما يحكي هو عن نفسه :
أخوكم في الله: عائض بن عبد الله القرني من مواليد بـالقرن بالجنوب، عام (1379هـ) نشأت هناك في قرية ريفية حالمة، تقع على مشارف شفى تهامة ، تحف بها من جنبتيها شجر العرعر، وهي عليلة النسيم، طيبة الأنداء، وارفة الظل، نشأت مع أطفال القرية، قليلة حضارتنا هناك، وقليلة معداتنا وأدواتنا، ولكنَّا نشأنا على كل حال -والحمد لله- في التزام لا بأس به، مع والدين وأناس يصلون، ويصومون، ويذكرون الله كثيراً، وأهل القرية يتعاودون المسجد كل يوم خمس مرات، وعندهم خير كثير، وهم على الفطرة ولو أنهم يحتاجون إلى علم شرعي كثير.
رعيت الغنم، وضاعت مني غنيمات، وكم بكت عيني من ضياع الغنم لا من خشية الله، وأنا أستغفر الله عز وجل من تقصيري، ولكن مهما يكن فالعظماء قد رعوا الغنم، فكيف بالمقصرين من أمثالنا؟!
http://www.kuwaitup.net/uploads/08120101400256c55666.gif (http://www.kuwaitup.com/)
درست في مدرسة آل سليمان الابتدائية، وبدأنا من الصف الأول، وكنا نتلقى ضربات بالعصي لو ضرب بها بعض الحمير لمرض! ولكن هكذا جعلوا من العلم شدة وقسوة، وجعلوا من العصي طريقاً إلى التفهيم، وهذا خلاف ما كان ينهجه عليه الصلاة والسلام.
وإني بالمناسبة أوجه درساً لأساتذة الابتدائية وما يقاربها أن يتقوا الله في هؤلاء الطلاب، وأن يعلموا أن العصي لا تُعلِّم وإنما تهذب، فمهمتها أن تكون مهذبة ومربية ومعزرة، لا أنها مفهمة ومدرسة ومعلمة، وانتقلنا في مدرسة ابتدائية إلى مراحل وأكثر ما استفدت تعليم الخط والإملاء، وفي الأولى: درس وزرع ووزن.
وفي الرابعة: طه والطبلة، كان لطه طبلة يضرب عليها ووددنا أنهم جعلوا بدل الطبلة طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى [طه:1-4] وحفظت أناشيد كثيرة، ولكنها ضاعت؛ لأنها في الحقيقة هزيلة، لم تكن تؤدي الغرض المقصود، ولم تكن مستعدة لأن تعيش معنا كثيراً.
والعجيب أنني كنت آخذ في أولى في الترتيب الرقم (20) وفي الفصل (80) طالباً، فلما أتيت في الثانية أخذت المرتبة الـ(15) وفي الثالثة -أظن- الـ(8) أو ما يقاربها، وفي الرابعة إلى الخامس، فلما وصلت السادسة أصبحت أزاحم على الأول، فما أدري ما هذا الذكاء الذي أتى فجأةً والحمد لله رب العالمين.
ثم انتقلت إلى معهد الرياض مع قرابة وأعمام لي، وسكنت هناك، وارتحت في المعهد كثيراً في الصف الأول والثاني والثالث، إذ درست المتوسطة هناك مع رفقة طيبة، وأذكر من زملائي -بعض الأخيار- منهم الشيخ: عبد الرحمن السديس إمام الحرم، والشيخ: عبد العزيز الدخيل وهو داعية موفق، وكذلك الشيخ: عائض فدغوش الحارثي وهو داعية في الحرس الوطني، وكثير من الأحبة والإخوة، ومنهم الشيخ: علي المقحم داعية كذلك وموفق.
وإنما كنت -والحمد لله- مرتاحاً لأسلوب التدريس في المعهد، وللفوائد التي نتلقاها، ولكثافة العلم الشرعي الذي نستفيده كل يوم، ولجودة الأساتذة، ولو أنا لا نخلو بعض الأيام من بعض الضربات، خاصة من أستاذ الرياضيات سامحه الله عز وجل على ما قدمه لنا من ضرب شائق وشائك في مادة الجبر التي هي أعقد من الحديد إذا اختلط بعضه ببعض.
ثم ذهبت إلى أبها في الثانوية ودرست هنا، وأول من لقيته من الأساتذة الشيخ الداعية إبراهيم سير -حفظه الله- فكان له أعظم الأثر في توجيهي إلى طلب العلم، وإلى الاستزادة من المعرفة، وإلى إلقاء الكلمات والمواعظ، وقد كتب لي كلمةً أول ما وصلت إلى أبها ، وقال: ألقها على الطلاب، وأنا لا أزال أذكر بعض هذه الكلمة، أحفظها؛ لأنه كتبها بيده وهي كلمة بليغة جداً، يقول في أثناء هذه الكلمة: أين يسير شباب هذه الأمة؟
ما هو هدفهم؟
ما هي غايتهم؟
أي حياة يعيشونها؟
وأخيراً: من المسئول عنهم؟
تساؤلات كثيرة إلى آخر ما قال، فقرأت الكلمة على الطلبة وأعجب الطلبة، ثم بدأت ألقي بعض الكلمات في الأندية، وكنت أظن أن العلم الموجود في الساحة هو علم أدب وشعر، وأنه لم يكن هناك علماء إلا أبو تمام والمتنبي والبحتري وامرؤ القيس وأحمد شوقي !
ولكن الشيخ عبد الله الأفغاني الداعية الموفق والأستاذ العجيب، والقرآني الفريد، أتى وأخذني، وقال: إني أرى فيك ذكاءً، ولكن أرى أن تميل إلى علم الحديث؛ لأنه العلم الذي ينفعك ويقودك ويهديك -إن شاء الله- إلى سواء الصراط المستقيم... وكلام مثل هذا، فأخذت أطالع في صحيح البخاري فرأيت في أول السند: حدثنا فلان، قال: حدثنا فلان، قال: حدثنا فلان، وأنا متعود على خفة المعلومات وعلى قلتها عن طريق الأدب، فقلت: متى أصل إلى الفائدة بهذه الطرق؟ ولكن الله فتح، فأخذت مختصرات الحديث وراجعتها، وأذكر أنني راجعت مختصر البخاري للزبيدي ست أو سبع مرات، ثم أخذت صحيح البخاري ، فقرأته بالسند ما يقارب ثلاث مرات، ثم رجعت إلى الفتح فقرأته ما يقارب مرة، وبعض المواضع فيه من باب التحدث بنعمة الله قرأتها إلى ما يقارب عشر مرات، إلى اثني عشر مرة، إلى إحدى عشر مرة، أما بلوغ المرام فأعرف أنني ألزمت نفسي أن أكرره فكررته أكثر من ثنتين وخمسين مرة، ولو أني حفظت بعضه لكن بعضه أستذكره استذكاراً لا حفظاً.
قراءة الشيخ عائض للكتب
ثم تفضل الله عز وجل عليَّ بمكتبة كانت رائدة، وكانت الكتب المشهورة موجودة، فطالعت الأمهات الست مروراً، ثم عدت إلى جامع الأصول فقرأته ما يقارب مرتين، والثالثة وقفت في المجلد الرابع، ثم قرأت العقد الفريد مرتين، والبداية والنهاية ما يقارب مرتين والثالثة إلى أول الثامن، ثم البيان والتبيين للجاحظ ، وعيون الأخبار كذلك، وفي ظلال القرآن مررت به وفتح الباري كما ذكرت، والمغني أخذت منه ما يقارب ثمان مجلدات، أما التفسير فطالعت ابن كثير وبعض المجلدات من ابن جرير ، وطالعت المحلى -والحمد لله- ثم في المجموع ما يقارب مجلدين، ومن الثالث ما يقارب خمسين صفحة، والرازي طالعت من تفسيره بعض المجلدات، ونظرت في الخازن ولم أكثر منه، وأما الكشاف فأكثرت في مواضع منه وكررته كثيراً؛ لأنني أعجبتني عبارته في الأدب والبلاغة، وأكثرت -حقيقة- من مطالعة الشعر والأدب، فكان عندي أكثر من اثنين وعشرين ديواناً، وبالخصوص ديوان المتنبي ، ومختارات الأدب للبارودي ، وطالعت منها بعض القصائد أو حفظتها على كل حال.
وأما في جانب الحديث، فكانت هي مادتي المرغوبة وهي المقدمة والمفضلة جداً، فكنت أطالع المختصرات وأكررها، وأطالع شروح الأحاديث، وأخذت على نفسي أني إذا أخذت من المختصرات أن أكرره ولو ثلاث أو أربع مرات حتى يرسخ، كـرياض الصالحين وبلوغ المرام كما تقدم، ومختصر مسلم للمنذري ومختصر البخاري للزبيدي والمنتخب من الصحيحين للنبهاني وجامع الأصول كما تقدم، ومشكاة المصابيح للتبريزي إلى غيرها من الكتب والرسائل، فكان وقت القراءة سعيداً، ومن باب ذكر التحدث بنعمة الله عز وجل طالعت سير أعلام النبلاء للذهبي ثلاث مرات، ونظرت في كثير من كتبه كـميزان الاعتدال وكررت بعض المواطن فيه، وكان إذا أعجبتني بعض الأبيات دونتها أو أعجبتني أحاديث أو طرف جعلته في الحواشي أو في مسودات صغيرة؛ لأكررها عند الطلب أو أحفظها، وكان الوقت عامراً بالقراءة، ولو مُنِّيت أو خيرت أن أجلس مع أي أحد ما اخترت إلا الكتاب كما قال المتنبي :
أعز مكان في الدنا سرج سابح ......... وخير جليس في الزمان كتاب
وفي العطلة الصيفية كنت أسكن في القرية، فكانت قليلة المشاغل لا هاتف ولا سيارات متحركة ولا أسواق ولا فتن ولا أمور تستدعي الشغل، فكنت أجلس بعد صلاة الفجر وأطالع إلى الثامنة ثم أنام ما يقارب ساعة، وأطالع إلى الظهر -والحمد لله- ثم بعد الظهر كذلك ثم أنام قبل العصر، ثم أطالع من العصر إلى المغرب، وقد جعلت في البرنامج أن يكون الصباح دائماً في القرآن والتفسير، وأمَّا بَعْد نومة الصباح إلى الظهر ففي الحديث غالباً، وأما في الظهر فللتاريخ وأغلب ما أقرأ فيه، وأما العصر ففي الفقهيات وبعض ما كتب من مؤلفات حديثة، وأما في المغرب فأدب، وبعد العشاء كنت أطالع في كتب الجاحظ أو لـابن قتيبة أو ما يقارب ذلك.
*شخصيات من العلماء قرأ لهم الشيخ عائض...
أكثر شخصية قرأت لها فيما أعلم ابن تيمية ، وقد قرأت في الفتاوى والحمد لله، وكررت منه بعض المجلدات ثلاث أو أربع مرات، وبعض المجلدات ما قرأته إلا مرة، وأظن أني ما فهمته إلى الآن، ودرء تعارض العقل والنقل حاولت فيه محاولات ولكنها باءت بالفشل، خاصة أول المجلد الثاني ثم أعود، فكررت في الأول كثيراً، ولكن كان قليل النفوذ إلى بعض معلوماته وكنائزه، لأنه ألفه ليرد على بعض فئات من المسلمين ويناقشهم كطوائف أهل الكلام، وعلم المنطق وهذا في الصعوبة بمكان.
وابن القيم تعجبني كتبه، ولكن العجيب كتب ابن تيمية ، وأنا أنصح بها كثيراً، وأتمنى من إخواني أن يطالعوها بإسهاب، وأن يصبروا على المطالعة فإنها هي العلم، وتبين لي أن المطالعة هي ركيزة بعد فتح الله عز وجل وتوفيقه أكثر من الدروس المقررة والمواد، وتبين لي أن هذه الدروس والمواد والكليات والمعاهد والثانويات إنما هي مفاتيح فحسب، ومن اقتصر عليها فلا يكون معه إلا علم قليل بإمكانه أن ينفع به الناس، أما أن يكون متوسعاً عارفاً عنده معلومات ونصوص، وإدراكات وثقافات عامة، وعنده استنباط وجودة قريحة، فلا بد أن يطالع مطالعة هائلة، وهذا معلوم بالاستقراء من سيرة العلماء فإنه بإذن الله -بعد فتح الله- لم يكن لهم إلا المطالعة.
ثم التحقت بكلية أصول الدين، وارتحت مع إخوة وأساتذة ومشايخ فيهم خير كثير، وكان من الشخصيات المحببة إلى قلبي عميد كلية الشريعة وأصول الدين الدكتور: عبد الله المصلح وكثير من الفضلاء معه ممن أثروا في منهجي التعليمي، وفي تشجيعي على الدعوة، وعلى مشاركة الإخوة في الكلية، وكنت في النشاط الخطابي والثقافي لا بأس بذلك.
أما المخيمات فقد حضرت ما يقارب سبعة مخيمات للإخوة، وكان يغلب عليَّ طابع المزح والهزل في الأرجوزات وحفل السمر، حتى إن بعض الإخوة خفت عليهم أن ينفجروا من كثرة الضحك، وبعضهم كان يترنح برجله، وبعضهم دمعت عيناه على لحيته من كثرة ما ضحك، وقالوا: سوف تأخذ فينا ذنباً، ولا أزال أحفظ بعض هذه المقطوعات وهي مسجلة عند بعض الإخوة في أشرطة قديمة.
http://www.kuwaitup.net/uploads/08120101400212cdd420.gif (http://www.kuwaitup.com/)
ثم أعانني الله عز وجل بعد التخرج على دراسة السنة التمهيدية في الرياض إلى الدراسات العليا، وكان من الأساتذة الشيخ: أحمد معبد ، والشيخ الدكتور: الذيب الصالح ، والشيخ: عبد الفتاح أبو غدة ، والشيخ: عبد الوهاب البحيري إلى غيرهم من العلماء الذين استفدنا -حقيقة- منهم فائدة طيبة.
ثم عدت إلى أبها ، وحضرت الماجستير في البدعة وأثرها في الدراية والرواية ، وقد حصلت عليه -والحمد لله-
ثم حضرت الدكتوراه في (تحقيق المُفهِم على مختصر صحيح مسلم). وقد حصلت عليها ايضا ولله الحمد .
وأنا أعمل اليوم محاضراً في أصول الدين، وإمام وخطيب جامع أبي بكر الصديق، وأنا أتحرى من الله أن يغفر ذنبي وذنب كل مسلم، وأن يزيدنا من عنده، وأن يغفر لنا تقصيرنا وخطايانا وزللنا.
أن الدعوة إلى الله عز وجل عبادة وسنة وشريعة ربانية ماضية، لا يضرها أن يقبل الناس على الطاعة أو يدبروا عنها، أو أن يصيب الناس مد وجزر في إقبال أو إدبار عن دين الله جل وعلا، إذ إن وصية الله للأنبياء ولورثة الأنبياء وهم العلماء، ولمن ولاهم الله أمور المسلمين أن يقوموا على هذه الدعوة، عبادة، وحسبة، وامتثالاً لأمر الله عز وجل، وليسوا بمحاسبين ولا مسئولين عن النتائج المترتبة، إذ الهداية إلى الله عز وجل ليس للبشر منها إلا هداية الدلالة، وأما هداية التوفيق فمن الله وحده: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56].
http://www.kuwaitup.net/uploads/0812010135340722e473.gif (http://www.kuwaitup.com/)
هذه نبذه عن حياته كما يحكي هو عن نفسه :
أخوكم في الله: عائض بن عبد الله القرني من مواليد بـالقرن بالجنوب، عام (1379هـ) نشأت هناك في قرية ريفية حالمة، تقع على مشارف شفى تهامة ، تحف بها من جنبتيها شجر العرعر، وهي عليلة النسيم، طيبة الأنداء، وارفة الظل، نشأت مع أطفال القرية، قليلة حضارتنا هناك، وقليلة معداتنا وأدواتنا، ولكنَّا نشأنا على كل حال -والحمد لله- في التزام لا بأس به، مع والدين وأناس يصلون، ويصومون، ويذكرون الله كثيراً، وأهل القرية يتعاودون المسجد كل يوم خمس مرات، وعندهم خير كثير، وهم على الفطرة ولو أنهم يحتاجون إلى علم شرعي كثير.
رعيت الغنم، وضاعت مني غنيمات، وكم بكت عيني من ضياع الغنم لا من خشية الله، وأنا أستغفر الله عز وجل من تقصيري، ولكن مهما يكن فالعظماء قد رعوا الغنم، فكيف بالمقصرين من أمثالنا؟!
http://www.kuwaitup.net/uploads/08120101400256c55666.gif (http://www.kuwaitup.com/)
درست في مدرسة آل سليمان الابتدائية، وبدأنا من الصف الأول، وكنا نتلقى ضربات بالعصي لو ضرب بها بعض الحمير لمرض! ولكن هكذا جعلوا من العلم شدة وقسوة، وجعلوا من العصي طريقاً إلى التفهيم، وهذا خلاف ما كان ينهجه عليه الصلاة والسلام.
وإني بالمناسبة أوجه درساً لأساتذة الابتدائية وما يقاربها أن يتقوا الله في هؤلاء الطلاب، وأن يعلموا أن العصي لا تُعلِّم وإنما تهذب، فمهمتها أن تكون مهذبة ومربية ومعزرة، لا أنها مفهمة ومدرسة ومعلمة، وانتقلنا في مدرسة ابتدائية إلى مراحل وأكثر ما استفدت تعليم الخط والإملاء، وفي الأولى: درس وزرع ووزن.
وفي الرابعة: طه والطبلة، كان لطه طبلة يضرب عليها ووددنا أنهم جعلوا بدل الطبلة طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى [طه:1-4] وحفظت أناشيد كثيرة، ولكنها ضاعت؛ لأنها في الحقيقة هزيلة، لم تكن تؤدي الغرض المقصود، ولم تكن مستعدة لأن تعيش معنا كثيراً.
والعجيب أنني كنت آخذ في أولى في الترتيب الرقم (20) وفي الفصل (80) طالباً، فلما أتيت في الثانية أخذت المرتبة الـ(15) وفي الثالثة -أظن- الـ(8) أو ما يقاربها، وفي الرابعة إلى الخامس، فلما وصلت السادسة أصبحت أزاحم على الأول، فما أدري ما هذا الذكاء الذي أتى فجأةً والحمد لله رب العالمين.
ثم انتقلت إلى معهد الرياض مع قرابة وأعمام لي، وسكنت هناك، وارتحت في المعهد كثيراً في الصف الأول والثاني والثالث، إذ درست المتوسطة هناك مع رفقة طيبة، وأذكر من زملائي -بعض الأخيار- منهم الشيخ: عبد الرحمن السديس إمام الحرم، والشيخ: عبد العزيز الدخيل وهو داعية موفق، وكذلك الشيخ: عائض فدغوش الحارثي وهو داعية في الحرس الوطني، وكثير من الأحبة والإخوة، ومنهم الشيخ: علي المقحم داعية كذلك وموفق.
وإنما كنت -والحمد لله- مرتاحاً لأسلوب التدريس في المعهد، وللفوائد التي نتلقاها، ولكثافة العلم الشرعي الذي نستفيده كل يوم، ولجودة الأساتذة، ولو أنا لا نخلو بعض الأيام من بعض الضربات، خاصة من أستاذ الرياضيات سامحه الله عز وجل على ما قدمه لنا من ضرب شائق وشائك في مادة الجبر التي هي أعقد من الحديد إذا اختلط بعضه ببعض.
ثم ذهبت إلى أبها في الثانوية ودرست هنا، وأول من لقيته من الأساتذة الشيخ الداعية إبراهيم سير -حفظه الله- فكان له أعظم الأثر في توجيهي إلى طلب العلم، وإلى الاستزادة من المعرفة، وإلى إلقاء الكلمات والمواعظ، وقد كتب لي كلمةً أول ما وصلت إلى أبها ، وقال: ألقها على الطلاب، وأنا لا أزال أذكر بعض هذه الكلمة، أحفظها؛ لأنه كتبها بيده وهي كلمة بليغة جداً، يقول في أثناء هذه الكلمة: أين يسير شباب هذه الأمة؟
ما هو هدفهم؟
ما هي غايتهم؟
أي حياة يعيشونها؟
وأخيراً: من المسئول عنهم؟
تساؤلات كثيرة إلى آخر ما قال، فقرأت الكلمة على الطلبة وأعجب الطلبة، ثم بدأت ألقي بعض الكلمات في الأندية، وكنت أظن أن العلم الموجود في الساحة هو علم أدب وشعر، وأنه لم يكن هناك علماء إلا أبو تمام والمتنبي والبحتري وامرؤ القيس وأحمد شوقي !
ولكن الشيخ عبد الله الأفغاني الداعية الموفق والأستاذ العجيب، والقرآني الفريد، أتى وأخذني، وقال: إني أرى فيك ذكاءً، ولكن أرى أن تميل إلى علم الحديث؛ لأنه العلم الذي ينفعك ويقودك ويهديك -إن شاء الله- إلى سواء الصراط المستقيم... وكلام مثل هذا، فأخذت أطالع في صحيح البخاري فرأيت في أول السند: حدثنا فلان، قال: حدثنا فلان، قال: حدثنا فلان، وأنا متعود على خفة المعلومات وعلى قلتها عن طريق الأدب، فقلت: متى أصل إلى الفائدة بهذه الطرق؟ ولكن الله فتح، فأخذت مختصرات الحديث وراجعتها، وأذكر أنني راجعت مختصر البخاري للزبيدي ست أو سبع مرات، ثم أخذت صحيح البخاري ، فقرأته بالسند ما يقارب ثلاث مرات، ثم رجعت إلى الفتح فقرأته ما يقارب مرة، وبعض المواضع فيه من باب التحدث بنعمة الله قرأتها إلى ما يقارب عشر مرات، إلى اثني عشر مرة، إلى إحدى عشر مرة، أما بلوغ المرام فأعرف أنني ألزمت نفسي أن أكرره فكررته أكثر من ثنتين وخمسين مرة، ولو أني حفظت بعضه لكن بعضه أستذكره استذكاراً لا حفظاً.
قراءة الشيخ عائض للكتب
ثم تفضل الله عز وجل عليَّ بمكتبة كانت رائدة، وكانت الكتب المشهورة موجودة، فطالعت الأمهات الست مروراً، ثم عدت إلى جامع الأصول فقرأته ما يقارب مرتين، والثالثة وقفت في المجلد الرابع، ثم قرأت العقد الفريد مرتين، والبداية والنهاية ما يقارب مرتين والثالثة إلى أول الثامن، ثم البيان والتبيين للجاحظ ، وعيون الأخبار كذلك، وفي ظلال القرآن مررت به وفتح الباري كما ذكرت، والمغني أخذت منه ما يقارب ثمان مجلدات، أما التفسير فطالعت ابن كثير وبعض المجلدات من ابن جرير ، وطالعت المحلى -والحمد لله- ثم في المجموع ما يقارب مجلدين، ومن الثالث ما يقارب خمسين صفحة، والرازي طالعت من تفسيره بعض المجلدات، ونظرت في الخازن ولم أكثر منه، وأما الكشاف فأكثرت في مواضع منه وكررته كثيراً؛ لأنني أعجبتني عبارته في الأدب والبلاغة، وأكثرت -حقيقة- من مطالعة الشعر والأدب، فكان عندي أكثر من اثنين وعشرين ديواناً، وبالخصوص ديوان المتنبي ، ومختارات الأدب للبارودي ، وطالعت منها بعض القصائد أو حفظتها على كل حال.
وأما في جانب الحديث، فكانت هي مادتي المرغوبة وهي المقدمة والمفضلة جداً، فكنت أطالع المختصرات وأكررها، وأطالع شروح الأحاديث، وأخذت على نفسي أني إذا أخذت من المختصرات أن أكرره ولو ثلاث أو أربع مرات حتى يرسخ، كـرياض الصالحين وبلوغ المرام كما تقدم، ومختصر مسلم للمنذري ومختصر البخاري للزبيدي والمنتخب من الصحيحين للنبهاني وجامع الأصول كما تقدم، ومشكاة المصابيح للتبريزي إلى غيرها من الكتب والرسائل، فكان وقت القراءة سعيداً، ومن باب ذكر التحدث بنعمة الله عز وجل طالعت سير أعلام النبلاء للذهبي ثلاث مرات، ونظرت في كثير من كتبه كـميزان الاعتدال وكررت بعض المواطن فيه، وكان إذا أعجبتني بعض الأبيات دونتها أو أعجبتني أحاديث أو طرف جعلته في الحواشي أو في مسودات صغيرة؛ لأكررها عند الطلب أو أحفظها، وكان الوقت عامراً بالقراءة، ولو مُنِّيت أو خيرت أن أجلس مع أي أحد ما اخترت إلا الكتاب كما قال المتنبي :
أعز مكان في الدنا سرج سابح ......... وخير جليس في الزمان كتاب
وفي العطلة الصيفية كنت أسكن في القرية، فكانت قليلة المشاغل لا هاتف ولا سيارات متحركة ولا أسواق ولا فتن ولا أمور تستدعي الشغل، فكنت أجلس بعد صلاة الفجر وأطالع إلى الثامنة ثم أنام ما يقارب ساعة، وأطالع إلى الظهر -والحمد لله- ثم بعد الظهر كذلك ثم أنام قبل العصر، ثم أطالع من العصر إلى المغرب، وقد جعلت في البرنامج أن يكون الصباح دائماً في القرآن والتفسير، وأمَّا بَعْد نومة الصباح إلى الظهر ففي الحديث غالباً، وأما في الظهر فللتاريخ وأغلب ما أقرأ فيه، وأما العصر ففي الفقهيات وبعض ما كتب من مؤلفات حديثة، وأما في المغرب فأدب، وبعد العشاء كنت أطالع في كتب الجاحظ أو لـابن قتيبة أو ما يقارب ذلك.
*شخصيات من العلماء قرأ لهم الشيخ عائض...
أكثر شخصية قرأت لها فيما أعلم ابن تيمية ، وقد قرأت في الفتاوى والحمد لله، وكررت منه بعض المجلدات ثلاث أو أربع مرات، وبعض المجلدات ما قرأته إلا مرة، وأظن أني ما فهمته إلى الآن، ودرء تعارض العقل والنقل حاولت فيه محاولات ولكنها باءت بالفشل، خاصة أول المجلد الثاني ثم أعود، فكررت في الأول كثيراً، ولكن كان قليل النفوذ إلى بعض معلوماته وكنائزه، لأنه ألفه ليرد على بعض فئات من المسلمين ويناقشهم كطوائف أهل الكلام، وعلم المنطق وهذا في الصعوبة بمكان.
وابن القيم تعجبني كتبه، ولكن العجيب كتب ابن تيمية ، وأنا أنصح بها كثيراً، وأتمنى من إخواني أن يطالعوها بإسهاب، وأن يصبروا على المطالعة فإنها هي العلم، وتبين لي أن المطالعة هي ركيزة بعد فتح الله عز وجل وتوفيقه أكثر من الدروس المقررة والمواد، وتبين لي أن هذه الدروس والمواد والكليات والمعاهد والثانويات إنما هي مفاتيح فحسب، ومن اقتصر عليها فلا يكون معه إلا علم قليل بإمكانه أن ينفع به الناس، أما أن يكون متوسعاً عارفاً عنده معلومات ونصوص، وإدراكات وثقافات عامة، وعنده استنباط وجودة قريحة، فلا بد أن يطالع مطالعة هائلة، وهذا معلوم بالاستقراء من سيرة العلماء فإنه بإذن الله -بعد فتح الله- لم يكن لهم إلا المطالعة.
ثم التحقت بكلية أصول الدين، وارتحت مع إخوة وأساتذة ومشايخ فيهم خير كثير، وكان من الشخصيات المحببة إلى قلبي عميد كلية الشريعة وأصول الدين الدكتور: عبد الله المصلح وكثير من الفضلاء معه ممن أثروا في منهجي التعليمي، وفي تشجيعي على الدعوة، وعلى مشاركة الإخوة في الكلية، وكنت في النشاط الخطابي والثقافي لا بأس بذلك.
أما المخيمات فقد حضرت ما يقارب سبعة مخيمات للإخوة، وكان يغلب عليَّ طابع المزح والهزل في الأرجوزات وحفل السمر، حتى إن بعض الإخوة خفت عليهم أن ينفجروا من كثرة الضحك، وبعضهم كان يترنح برجله، وبعضهم دمعت عيناه على لحيته من كثرة ما ضحك، وقالوا: سوف تأخذ فينا ذنباً، ولا أزال أحفظ بعض هذه المقطوعات وهي مسجلة عند بعض الإخوة في أشرطة قديمة.
http://www.kuwaitup.net/uploads/08120101400212cdd420.gif (http://www.kuwaitup.com/)
ثم أعانني الله عز وجل بعد التخرج على دراسة السنة التمهيدية في الرياض إلى الدراسات العليا، وكان من الأساتذة الشيخ: أحمد معبد ، والشيخ الدكتور: الذيب الصالح ، والشيخ: عبد الفتاح أبو غدة ، والشيخ: عبد الوهاب البحيري إلى غيرهم من العلماء الذين استفدنا -حقيقة- منهم فائدة طيبة.
ثم عدت إلى أبها ، وحضرت الماجستير في البدعة وأثرها في الدراية والرواية ، وقد حصلت عليه -والحمد لله-
ثم حضرت الدكتوراه في (تحقيق المُفهِم على مختصر صحيح مسلم). وقد حصلت عليها ايضا ولله الحمد .
وأنا أعمل اليوم محاضراً في أصول الدين، وإمام وخطيب جامع أبي بكر الصديق، وأنا أتحرى من الله أن يغفر ذنبي وذنب كل مسلم، وأن يزيدنا من عنده، وأن يغفر لنا تقصيرنا وخطايانا وزللنا.