rosa5
25-07-2008, 01:34 AM
بسم الله الرحمـــن الرحيم
ألبوم صور
تتملكني رغبة جامحة في فتح ألبوم الصور، لكنني وعدت نفسي ألا أفتحه،لا داعي لاسترجاع ذكريات أليمة،ورغم ذلك فصورتها تظل تطاردني،تظل عالقة في ذهني.أعرف أني لن أهرب من شبحها إلى الأبد،لا بأس بنظرة،أو ربما اثنتان..أنظر نحو ذلك الألبوم الكبير"المنسي" في ركن من أركان الغرفة ذي الغلاف الجلدي السميك الذي تعلوه طبقات غبار لم أكلف نفسي عناء مسحها،تلك الطبقات التي عجزت مثلي عن إخفائه،فبغض النظر عن حجمه،هو ذاكرة،و الذاكرة لا يمكن إخفاؤها مهما حاولنا إخفاءها و إلغاءها.
أفتح الألبوم لأول مرة منذ عشر سنوات،و بالضبط منذ الثالثة عشر من مارس 1997 ، أي منذ تاريخ وفاتها. تجتاحني نوبة عطاس حادة بسبب الغبار قبل أن أرى وجهها و ثغرها الباسم الذي يظهر أسنانها الصغيرة التي بينها فجوة احتلتها منذ يومين تقريبا سن حليب،شعرها الاسود المجدول في ظفيرتين و وجنتاها محمرتان دليل الصحة و العافية،كانت ترتدي فستانها الاصفر الصيفي الجديد وهي تركب دراجتها وردية اللون، و جرح بسيط على ركبتها اليسرى ذكرى سقطتها من فوق الدراجة قبل ساعتين من اخذ الصورة. أتعجب من ذلك الجرح الصغير الذي أبكاها و أسال قطرات من دمها و ترك أثرا و أقام الدنيا و أقعدها و أنا أقارنه بمرضها القاتل الصامت نسبيا.
صورة أخرى لها أمام باب المدرسة الإبتدائية التي ستلجها لأول مرة و هي ترتدي وزرة بيضاء فوق ملابسها الخفيفة و عيناها منتفختان،محمرتان و جاحظتان-علامات البكاء الشائعة-تمسك بيد صديقتها المرتبكة هي الاخرى،كانتا تذكرانني بأيام طفولتي فأنا أيضا صرخت عندما واجهت هذا الموقف و بكيت و قاومت،تمددت شفتاي فيما يشبه ابتسامة، فقد نسيت طريقة الإبتسام منذ زمن يبدو و كأنه الدهر عينه و أنا أرى هذه الصورة.
ها هي هنا في حديقة منزلنا مع صديقاتها الثلاث و هن مجتمعات حول مجلة متخصصة في أخبار النجوم و الموضة،كان عمرها انذاك اثني عشرة سنة.أدقق النظر في ملامحها و بشرتها الشاحبة و قوامها الهزيل-أو الرشيق على حد تعبيرها-، في هذه الفترة غيرت نظام غذاءها تغييرا جذريا فقد أصبحت نباتية لكي تحافظ على رشاقتها و تسقط الوزن "الزائد"،و تزامن هذا مع دوار كانت تشعر به و تجاهلته،ربما لو أخذتها الى الطبيب لتم تشخيص مرضها مبكرا و لعولجت،و لكانت هنا معي او ربما في بيت زوجها،و لسمعت صوتها ينبعث من السماعة بعد لحظات.
صورة أخرى لها و هي تراجع دروسها استعدادا للإمتحان الموحد،فقد كانت تدرس في السنة الثالثة إعدادي،و بيدها كوب قهوة،قهوة بدون لبن،و هي عادة ورثتها عني لسوء الحظ.و قد أثمرت جهودها نتائجا طيبة فهي تلميذة متميزة بشهادة الجميع لكن رغم ذلك فقد كانت خائفة و متوترة دائما و هي تستلم نتائجها بشكل غير طبيعي.
هذه صورتها خلال حفل ميلادها الخامس عشر، كانت فرحة مبتسمة و لامبالية،لم تكن تدري أنها مريضـــــة،لا لم تكن تدري أن أيامها الباقية على وجــــــه هذه الأرض مـــعدودة،
و بالضبط سنتان.
هاهي هنا ترتدي فستانا أبيض مزركش،سيعوض بعد أسبوع بقطعة ثوب أبيض أيضا،لكنه صامت فارغ كمرتديه.أخذت لها هذه الصورة بعد انتهاء فترة امتحانات الباكلوريا،كانت المسكينة خلال هذا الأسبوع المشؤوم تعاني من حالات قيء و غثيان و صداع حاد،فسرته أنا على أنه أمر طبيعي خلال هذه الفترة،لذا فقد كان أمرا طبيعيا أن أكون السبب في موت ابنتي الوحيدة.كنت السبب في موت فردوس،كانت بالنسبة لي فردوسي الموعود وهب لي !مسبقا،لكن فردوسي سلبمني،قتلته
كنت دائما أجد العذر المناسب للتقاعس عن زيارة الطبيب،فالقيء و الغثيان بسبب الإكثار في !الأكل ،و الصداع بسبب التوتر و الخوف من النتائج،أما الدوار فبسبب تغيير النظام الغذائي
لكن سبق السيف العذل،فبعد أسبوع و بالضبط قبل صدور النتائج نمت ملء جفني متجاهلة شكواها من الصداع فهو "أمر طبيعي" في هذه الفترة،لأستيقظ صباح اليوم التالي و أجدها
!جثة هامدة،ماتت فردوس
لم أبك و لم أصرخ، بل ظللت هكذا أنظر إلى الجثة دون أن أراها.قال لي الطبيب فيما بعد أنها ماتت بسبب سكتة دماغية نتيجة ارتفاع الضغط،قالها ببرودة و انصرف و كأنه كان يحدثني عن الطقس.لكنه كذب أو ربما لم يكن يعلم، فأنا التي قتلتها،قتلت فردوس.سالت دمعتان تمهدان الطريق لسيل من العبرات أوقفتها بحركة عصبية بيدي و قمت لأنام.
أيقظني في الصباح شعاع شمس تسلل من بين نوافذي شبه المغلقة،إحساس غريب ينتابني،لقد نمت لأول مرة منذ عشر سنين نوما متواصلا بدون كوابيس مزعجة.فليذهب الأطباء النفسانيون و عقاقيرهم إلى الجحيم،فقد واجهت ليلة أمس موت ابنتي وحدي و تقبلت الحقيقة المرة لأول مرة و إلى الأبد.ألقيت نظرة خاطفة على ألبوم الصور قبل أن أبدأ يوما جديدا بكل معنى الكلمة، فقد أرحت البارحة كاهلي من حمل ثقيل.
08/05/28
قصة كتبتها لمسابقة و اتمنى ان تعجبكن،أنتظر ملاحظاتكن كيفا كانت.....
ألبوم صور
تتملكني رغبة جامحة في فتح ألبوم الصور، لكنني وعدت نفسي ألا أفتحه،لا داعي لاسترجاع ذكريات أليمة،ورغم ذلك فصورتها تظل تطاردني،تظل عالقة في ذهني.أعرف أني لن أهرب من شبحها إلى الأبد،لا بأس بنظرة،أو ربما اثنتان..أنظر نحو ذلك الألبوم الكبير"المنسي" في ركن من أركان الغرفة ذي الغلاف الجلدي السميك الذي تعلوه طبقات غبار لم أكلف نفسي عناء مسحها،تلك الطبقات التي عجزت مثلي عن إخفائه،فبغض النظر عن حجمه،هو ذاكرة،و الذاكرة لا يمكن إخفاؤها مهما حاولنا إخفاءها و إلغاءها.
أفتح الألبوم لأول مرة منذ عشر سنوات،و بالضبط منذ الثالثة عشر من مارس 1997 ، أي منذ تاريخ وفاتها. تجتاحني نوبة عطاس حادة بسبب الغبار قبل أن أرى وجهها و ثغرها الباسم الذي يظهر أسنانها الصغيرة التي بينها فجوة احتلتها منذ يومين تقريبا سن حليب،شعرها الاسود المجدول في ظفيرتين و وجنتاها محمرتان دليل الصحة و العافية،كانت ترتدي فستانها الاصفر الصيفي الجديد وهي تركب دراجتها وردية اللون، و جرح بسيط على ركبتها اليسرى ذكرى سقطتها من فوق الدراجة قبل ساعتين من اخذ الصورة. أتعجب من ذلك الجرح الصغير الذي أبكاها و أسال قطرات من دمها و ترك أثرا و أقام الدنيا و أقعدها و أنا أقارنه بمرضها القاتل الصامت نسبيا.
صورة أخرى لها أمام باب المدرسة الإبتدائية التي ستلجها لأول مرة و هي ترتدي وزرة بيضاء فوق ملابسها الخفيفة و عيناها منتفختان،محمرتان و جاحظتان-علامات البكاء الشائعة-تمسك بيد صديقتها المرتبكة هي الاخرى،كانتا تذكرانني بأيام طفولتي فأنا أيضا صرخت عندما واجهت هذا الموقف و بكيت و قاومت،تمددت شفتاي فيما يشبه ابتسامة، فقد نسيت طريقة الإبتسام منذ زمن يبدو و كأنه الدهر عينه و أنا أرى هذه الصورة.
ها هي هنا في حديقة منزلنا مع صديقاتها الثلاث و هن مجتمعات حول مجلة متخصصة في أخبار النجوم و الموضة،كان عمرها انذاك اثني عشرة سنة.أدقق النظر في ملامحها و بشرتها الشاحبة و قوامها الهزيل-أو الرشيق على حد تعبيرها-، في هذه الفترة غيرت نظام غذاءها تغييرا جذريا فقد أصبحت نباتية لكي تحافظ على رشاقتها و تسقط الوزن "الزائد"،و تزامن هذا مع دوار كانت تشعر به و تجاهلته،ربما لو أخذتها الى الطبيب لتم تشخيص مرضها مبكرا و لعولجت،و لكانت هنا معي او ربما في بيت زوجها،و لسمعت صوتها ينبعث من السماعة بعد لحظات.
صورة أخرى لها و هي تراجع دروسها استعدادا للإمتحان الموحد،فقد كانت تدرس في السنة الثالثة إعدادي،و بيدها كوب قهوة،قهوة بدون لبن،و هي عادة ورثتها عني لسوء الحظ.و قد أثمرت جهودها نتائجا طيبة فهي تلميذة متميزة بشهادة الجميع لكن رغم ذلك فقد كانت خائفة و متوترة دائما و هي تستلم نتائجها بشكل غير طبيعي.
هذه صورتها خلال حفل ميلادها الخامس عشر، كانت فرحة مبتسمة و لامبالية،لم تكن تدري أنها مريضـــــة،لا لم تكن تدري أن أيامها الباقية على وجــــــه هذه الأرض مـــعدودة،
و بالضبط سنتان.
هاهي هنا ترتدي فستانا أبيض مزركش،سيعوض بعد أسبوع بقطعة ثوب أبيض أيضا،لكنه صامت فارغ كمرتديه.أخذت لها هذه الصورة بعد انتهاء فترة امتحانات الباكلوريا،كانت المسكينة خلال هذا الأسبوع المشؤوم تعاني من حالات قيء و غثيان و صداع حاد،فسرته أنا على أنه أمر طبيعي خلال هذه الفترة،لذا فقد كان أمرا طبيعيا أن أكون السبب في موت ابنتي الوحيدة.كنت السبب في موت فردوس،كانت بالنسبة لي فردوسي الموعود وهب لي !مسبقا،لكن فردوسي سلبمني،قتلته
كنت دائما أجد العذر المناسب للتقاعس عن زيارة الطبيب،فالقيء و الغثيان بسبب الإكثار في !الأكل ،و الصداع بسبب التوتر و الخوف من النتائج،أما الدوار فبسبب تغيير النظام الغذائي
لكن سبق السيف العذل،فبعد أسبوع و بالضبط قبل صدور النتائج نمت ملء جفني متجاهلة شكواها من الصداع فهو "أمر طبيعي" في هذه الفترة،لأستيقظ صباح اليوم التالي و أجدها
!جثة هامدة،ماتت فردوس
لم أبك و لم أصرخ، بل ظللت هكذا أنظر إلى الجثة دون أن أراها.قال لي الطبيب فيما بعد أنها ماتت بسبب سكتة دماغية نتيجة ارتفاع الضغط،قالها ببرودة و انصرف و كأنه كان يحدثني عن الطقس.لكنه كذب أو ربما لم يكن يعلم، فأنا التي قتلتها،قتلت فردوس.سالت دمعتان تمهدان الطريق لسيل من العبرات أوقفتها بحركة عصبية بيدي و قمت لأنام.
أيقظني في الصباح شعاع شمس تسلل من بين نوافذي شبه المغلقة،إحساس غريب ينتابني،لقد نمت لأول مرة منذ عشر سنين نوما متواصلا بدون كوابيس مزعجة.فليذهب الأطباء النفسانيون و عقاقيرهم إلى الجحيم،فقد واجهت ليلة أمس موت ابنتي وحدي و تقبلت الحقيقة المرة لأول مرة و إلى الأبد.ألقيت نظرة خاطفة على ألبوم الصور قبل أن أبدأ يوما جديدا بكل معنى الكلمة، فقد أرحت البارحة كاهلي من حمل ثقيل.
08/05/28
قصة كتبتها لمسابقة و اتمنى ان تعجبكن،أنتظر ملاحظاتكن كيفا كانت.....