المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يومَ أن كنا صغاراً


silence shadow
06-03-2008, 11:51 AM
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ..


أخواتي/ يسعدني أن أطرح هنا

قصتي " يومَ أن كنا صغاراً" و التي فازت بالمركز الـ 3

في مسابقة الإبداع القصصي ..

تحت إشرف LOVE CITY ..

أرجو لكن الإستمتاع في قراءة القصة ..

مودتي :love0072:



يومَ أن كنا صغاراً




انفضَ عنا جموعالمعزين نهاية اليوم الثالث من أيام العزاء , و صقيع الكلمات المواسية التي كانتتخرج من أفواههم تضرب في رأسي بدوي , كأول الأمر حين تيقنت من وفاة والدي .. " عظمالله أجرك يا بني " .. " لله ما أخذ و لله ما أعطى " .. "كان أبوكَ رجلاً عظيماًتألمت لوفاته ".. و كلماتٌ أخرى كثيرة .


أحقاً رحل عنا ذلك الوجه السمح الذيطالما غفر لي انشغالي عنه أيامي الأخيرة بدراستي و انصرافي لشؤون الحياة – كون أنيكنت أتنقل لفترات طويلة بين قريتي و جامعتي التي في المدينة - أذكر أنه كان يأتينيكلَّ ذاتِ بين .. يدعو لي بالتوفيق و يوصيني في حقِ نفسي .. و أنا الغافل عن حقه منلزوم المداومة على ابتغاء رضاهو السؤال عن حاجاته.. انتبهت من إطراقتي في ذكرياتالأمس القريب على الدموع النافرة على خدود أمي و أختاي سلمى و هدى .. هكذا كنا طقسٌليلي يختص بحديثِ الأنات و الدموع .. نواسي بعضنا البعض حيناً إن استطعنا .. نطرق وندعو بخشوع لأبينا أن يتغمده الله برحمته حيناً آخر ..


صباحاليوم التالي .. ساقني القدر لأن أكون أمام النافذة ربما لأرى كيف تكون حركة الأرضإذ ينقص أحدُ ساكنيها .. أو تناغم سحبِ السماء و هي تحيكُ مرثية الوداع المعتادةكلما ظللت بقية الأحياء .. فجأة تراءى لي طيف شخصٍ قادم ظننته لأولِ وهلة أنه مننسجِ خيالي , لكنه سرعان ما تبين لي أنه ليس خيالاً و إنما رجلٌ كبير السن , ربماأواخر الخمسينات .. حدثتني نفسي أنه ربما يكون من أحد أهالي القرية ممن كانوا يأتونليستعينوا بحكمة أبي في الفصل بينهم – إذ كان أبي قاضي القرية – لكن وجه هذا الرجللم أره من قبل بين جموع أهالي قريتنا .. كان يمشي على أول الطريق يحث الخطى تارة ويتلكأ تارة أخرى , كأنما يتجاذب في نفسه طرفان .. فيغلب هذا مرة و أخرى يغلب ذاك .. استمر هكذا حال حتى رفع رأسه إلى السماء و تمتم بشئ كأنما يطلب من الله عوناً .. استجمع أنفاسه و مضى الهوينى نحو بيتنا – لم أستغرب لأن بيتنا هو الوحيد في هذهالمنطقة البعيدة عن القرية – لحظات مرت و أنا أرتقبه بفضول .. ثم سمعت طرقاً علىالباب و سرعان ما مضيتُ لأفتح له .. و عندما فعلت قابلني وجهه المؤرخ بالسنين .. ابتسم لي بحزن و سألني :


" هنا بيت المرحوم صالح المهند ؟"


إذاًفهو يقصدنا فعلاً , أجبته سريعاً " نعم .. أنا ابنه سعد ,تفضل "


دخلبخطوات ثقيلة إلى حيثُ وجهته للجلوس .. ران عليه الصمت لفترة, استثار فضولي و لمأدرِ كيف أجعل هذا الغريب يفصح عما أتى لأجله .. قمت لأحضر له شيئاً يشربه , استأذنته


" عن إذنك قليلاً يا عم" , أومأ لي برأسه .. عندما خرجتُ منحيثُ هو , وجدت أمي تستفهم عن الضيف الذي لا زلت لا أعلم عنه .. أخبرتها بحيرتي فيأمره, وأنه لم يكد يتحدث .. أعدت لي لزوم ضيافة الضيف , و حملته إليه .. كان قدإدَّارك شتات نفسه للحديث بادرني عندما جلست بقوله :" اسمي ماجد ..أنا و أباك كناأصدقاء منذ الصغر" .. أعادها متأملاً "أصدقاء" .. عاد إلى سكونه كرةً أخرى .. حتىطغى علينا جو من الحزن الرحيب .. باغتني بسؤال ..


" هل لديك صورة حديثة لأبيك ؟" , لمأستغرب من سؤاله ظننته يريد أن يجدد العهد بمحيا أبي .. أحضرت له الصورة و جعليتأملها :


" واشوقاه .. هو ذاته, لم يتغير كثيراً" قالها و هو يطبقعليه بيديه .. و علامات استفهامٍ عريضة تحوم حول رأسي .. تنبهت عليه و هو يخرجصندوقاً صغيراً قديما من بين ثنايا معطفه , وقام بفتحه أمامي "أتعرف ما هذا يا بني؟" سألني , و أجبته أن "لا" ..


قال :" هنا كنا نودع أنا وإياه أشياؤنا يومَ أن كنا صغاراً .. انظر "مدَّ لي صورة مهترئة تتناوب بين الأبيض والأسود و درجاتهما .. استطعت أن أدرك فيها طفلان يمسكان بأيدي بعضهما .. أحدهما فيهشبه بعيد لأبي و آخر شبه بعيد للرجل الذي يجلس قبالتي .. قاطع تأملي :" اقرأ ما كتبفي الخلف " قلبت الصورة لأجد خطاً عبثياً كتَبَ ( صالح/ ماجد .. أصدقاء من المهدإلى اللحد " ..
أخرج لي كل ما في الصندوق , الصور المهترئة .. أشيائهما الصغيرة المشتركة .. و ذكرياتٌ رثة , أخذ يقصها علي .. مواقفهما , نوادرهما .. حين توقف هنيهة ليلتقطعبق الماضي .. فاجأته بسؤالٍ حيرني .." عماه .. أين كنت طوال هذه السنين " .. سرتفي جسده رعشة ألم لمحتها في عينيه .. تداركتُ و قلت : " أقصد أني لم أرك طوال عمريمع أبي "
تنهد و قال :" يا بني , منذ أن أتيت إلى الدنيا و أنا أعرف أباك أخاً وصديقاً و جليساً و جاراً طيباً .. لكن الدنيا لا تترك الطيب على حاله "
سألته " إذاً ما الذي فرق بينكما ؟!"
استطرد في حكايته :" حين كبرنا قليلاً .. حدث خلافٌ شائكٌ جداً بين والديناوصل إلى ساحات المحاكم .. لا أذكر تماماً فيمَ كان .. أظنه قطعة أرضٍ أو ما شابه , و بين شدٍ و جذبٍ بينهما , أقسم عليَّ والدي لا أدخل دارهم و لا أتحدث معهم بمافيهم صالح ,أباك "
سألته بفضول :" ثم؟!!"
أجاب بحسرة :" بعدها بفترة حكم القاضي لصالح جدك رحمه الله على إثرها خرجأبي مغاضباً من الحي , بل انتقل إلى مدينة أخرى "
شتت نظره إلى السقف كأنما يستجلب الذكرى, تابع " قبل أن نرحل كنت أجتنباللقيا بأبيك , لا أستطيع أن أعصي لوالدي أمراً , و لا أن أقاطع من قاسمني عمري .. يوم الرحيل .. أرسل لي والدك رسالة مع أحدهم .. لا زلت أحفظها عن ظهر قلب و أقرأهاكلما اجتاحني اسمه .. تعهدت على ألا يلمسها بشر إلا أن أموت ."
دغدغتني جمال مشاعرهم الأخوية الصافية , و ازددت إعجاباً لهما ..سألته" ماذاكتب فيها "
نظر إلي بعيونٍ رقراقة و شرع يسرد " ماجد .. رفيق الطفولة يوم أحيا و يومأموت .. لئن فرقت بيننا أحوال الدنيا , فالقلب لا يزال يرسم لك ذكرى ذهبية .. ستكونبعيداً عني بمسافات لكن أرواحنا تتقارب بالرحيل أكثرُ مما تظن .. إمنحني زيارةًلقبري يومَ أموت .. أخوكَ المخلص لك .. صالح "
لا زلت أنا غارق في روعة مشاعرهم , حتى قام العم "ماجد" :" أنا آسف يا بني .. أشغلتك معي .. لكنني و الله ما أردت إلا أن أطمئن على رعية صالح .. أنا ذاهبٌالآن إلى قبر أبيك .. إلى اللقاء "
عرضت عليه المساعدة :" سأوصلك إلى المقبرة , أنت لن تعرف الطريق "
رد بهدوء : " سيدلني قلبي " .. و شق طريقه للخروج ..
انتبهت إلى أنه قد نسي صندوق الذكريات .. أخذته , و قمت باللحاق به ..
" يا عم .. يا عم .. نسيت صندوق الذكريات "
ابتسم لي " ما احتجت إليه يوماً .. لأن ذكراه محفورة بقلبي " .. وتابع السيربهدوء ..
تمـــــــــــت
بقلم/ silence shadow

LOVECITY
06-03-2008, 11:57 AM
اهلا بك ياغاليه


قصه رائعه


سعدت عندما قرأتها


فالجميع أجمع


بروعتها


ابدعتي ياغاليه في الطرح


بارك المولى بك

ياصاحبة القلم الذهبي


مشاركة مميزة لفوزها + لك التقييم

ودمتي بحب
مدينة الحب

silence shadow
09-04-2008, 03:04 PM
بارك المولى بك

ياصاحبة القلم الذهبي




كم اشتقت لعذب مديحك لوف ..

سلمتِ يا غاليه و شكراً لكِ

حظوركِ الطاغي أسعدني

ڹـآﮂيـّۃ؛
09-04-2008, 03:32 PM
اهلا،

قصةٌ حلقت في سماء الابداع وابدعت صاحبة هذا الابداع ..فتقبلي اعجابي الذي سيحفظه الزمن بين هذه الصفحات

تحياتي،